“لا، لسنا أمة واحدة، ولا ننتمي لقومية واحدة، ولسنا شعباً واحداً!
“نحن قوميات صنعت دولها، والقومية لا تستقيم إلا داخل كيانها السياسي وحدودها المعترف بها…
“… وبهذا المقياس نحن أمم ولسنا أمة واحدة: أمة كويتية، وأمة لبنانية وأمة سورية وأمة عراقية الخ…
“… ونذكر صرختنا في اليوم الأول للغدر: أين أنتم يا عرب؟! وحين انتظرنا الجواب لم يأتنا إلا الصدى الموجع، وكان صدى صوتنا وليس صدى أي واحد من الامم العربية المتناثرة ذات المصالح المضاربة،
“… ولا نريد أن نتعادى أكثر حتى لا يقال إننا ننسى المعروف وننكر الجميل… إنما فقط لنشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي وحدها كانت شريكة اىلجرح بحكم ما بينها من روابط ومن تجانس ومن مصالح واحدة.
“جريدة السياسة الكويتية”
كل من جاء به النفط فاسد، وكل ما جاء به النفط زائل، وكل ما بني على النفط بالنفط يزول.
والنفط قد يقيم دولاً من كرتون لكنها من كرتون تبقى: يسقطها ويلغيها عود ثقاب واحد.
والنفط قد يشتري الكثير ولكنه لا يشتري “قومية” ولا يصطنع أمة، ولا ينجب تاريخاً، ولا يبني تراثاً حضارياً.
وبرغم كل “قيم” زمن الردة والتردي تظل نقطة دم واحدة تتحدر على ساق مقاوم باسم الأمة وحفظاً لشرفها أغلى من النفط والنفطيين والمستنفطين أصحاب شعر المازوت ونثر الكاز ومدائح البنزين الثقيل، وافتتاحيات الزفت.
ولولا أن اجتياح التدمير والتهجير قد هجّر بالنار الإسرائيلية من جبل عامل وحده ما يزيد على تعداد “الأمة الكويتية” من حملة الجنسية الممتازة (بالتأسيس)،
ولولا أن الدم “العربي” ما يزال يخضب الجدران والصخور والشجر وشبابيك بيوت الفلاحين في جنوب لبنان وبقاعه الغربي،
ولولا أن “العدو” الإسرائيلي يستقوي بالنفطيين ويعزز أسلحته الفتاكة بسكاكين هؤلاء الذين تنكروا لأرضهم وتاريخهم ودينهم وهويتهم ولون بشرتهم وأسماء آبائهم والجدود،
لولا ذلك كله وما هو أخطر منه مما لا يقال حرصاً على وجدان أطفالنا من التشوه وحماية لهم من التنكر لذواتهم ولكل ما يمنح الحياة شرفها، لما تعرضنا لهذه الصحيفة الكويتية ولهذا الكاتب النحرير الذي كتب ارتزاقاً شتائم ينال فيها من شرف أمة ويعلن فيها احتقاره لنفسه ثم لقلمه والفكرة والحرف.
لكن الدم هو الدم، والنفط هو النفط.
الدم هو الحرية والأحرار والنفط هو الاستعباد والعبودية.
الدم هو المستقبل والنفط هو أداة الجريمة لاغتيال المستقبل.
وإذا كان الدم طالما انتصر على السيف، في لبنان كما في فلسطين كما في معظم الأرض العربية، فمن باب أولى أن ينتصر الدم على النفط والنفطيين والذين لا وجود لهم خارج البراميل السوداء.
ولسنا نتوهم للحظة إن ما كتبه ذلك المرتزق في تلك الصحيفة الكويتية يعبر عن ضمير أخوتنا في الكويت، أو في سائر أنحاء الجزيرة العربية والخليج.
فنحن لم يذهب النفط بعقولنا وحقائق حياتنا، وما زلنا نعرف تاريخنا وأهلنا، لا ننكرهم وإن بخلوا، ولا نتخلى عنهم وإن أنكروا دمنا على أرضهم، ولا نبيعهم لنشتري بوجودهم وأحلام أبنائهم اسهماً في شركة ألمانية أو عقارات في إسبانيا أو أوهاما في الولايات المتحدة الأميركية.
إننا نحفظ لهم من تاريخ نضالاتهم ومن مساهماتهم في العمل العربي المشترك ما تحاول الصحيفة المشار إليها أن تلغيه أو تمسخه أو تحرقه بالنفط الحرام.
ونذكر لهم كل كلمة طيبة صدرت عنهم، وكل قرش دفعوه في نجدة شقيق أو في مساعدة منكوب في أربع رياح الأرض.
ونعترف لهم بحقهم الكامل في أن يبنوا بلادهم، كأجمل ما يكون البناء، ونفرح كلما افتتحت جامعة جديدة أو مستشفى جديد أو مطبعة جديدة أو مصنع لبعض ما يحتاجونه من الصناعات الاستهلاكية.
ويسعدنا ما نسمعه عن نجاحهم في استنبات بعض البقع الغنية بالمياه الجوفية في قلب الصحراء.
بل لعل سواعد فقراء العرب قد أسهمت، بقدر ما سُمح لها، في بناء كل ما بُني، وفي استنبات ما استنبت من قلب اليباب.
ولعل عرق الجباه العربية السمراء قد تقطر فتجمع وسط الصحراء ليعود فيسقي الزرع المدهش مسقطاً دهر القحط والجراد.
ولأننا نثق بعروبة أهلنا في الجزيرة والخليج فإننا إليهم نشكو هذا الفجور وهذا الارتداد وهذا المنطق المتصهين، والذي لن ينفعه خروجه على الأمة شيئاً لدى عدوها – أمس واليوم وغداً – بل سيستعمله فيعصره ثم يرميه كبرميل زيت فارغ.
إن هذا الكلام يؤذيهم قبل أن يؤذينا، ولكنه بالتأكيد ينفع عدونا – عدوهم، ويضعفنا جميعاً موفراً للعدو فرصة ذهبية للقضاء على مستقبلنا في كل أرضنا، بدءاً بحيث النفط وانتهاء بآخر ثغر عربي على المحيط الأطلسي.
إن الصامدين لنار العدو الإسرائيلي في لبنان لا يطلبون مساعدات ولا معونات ولا هم يتوقعونها في أي حال، وقد هزوا رؤوسهم عبر الابتسامات الصغيرة الساخرة وهم يقرأون عن الخمسماية مليون دولار التي قيل إنها “ستمنع” لضحايا الاجتياح الإسرائيلي الأخير، والتي يعرفون إنها لن تأتي مهما تزايدت التصريحات واكتست عباراتها بذل السؤال.
إنهم لا يطلبون غير رد مثل هذا العدوان “العربي” عليهم، وهو أقصى وأفظع وأكثر إيلاماً من العدوان الإسرائيلي.
فهل نبالغ في الطلب؟!
وهل نأمل في استجابة من الذين لا وجود لهم خارج العروبة وخارج الأمة العربية على امتداد الجزيرة التي لم تكن إلا عربية ولن تكون، قبل النفط وبعده، إلا عربية ولو تاه السبيل ببعض أبنائها فتاهوا وأي تيه؟!
والدم هو الدم، والنفط هو النفط.
والدم يحمي الأرض ويستبقيها لأصحابها، أما النفط فيذهب بالأرض وبمن ضعف من أهلها فخرج من جلده إلى صحراء أقسى من الربع الخالي وأوسع!
“النهار” وعيد الصحافة
ليس للصحيفة عمر. إنها العمر. عمر قارئها كما عمر صاحبها والعاملين فيها. ولبنان ما قبل الصحافة والكتابة عموماً لم يكن شيئاً مذكوراً، فالصحافة بما هي مساحة الرأي والرأي الآخر، للنقاش، للجدل، للحوار الفكري، أي للصراع الديموقراطي هي التي أعطته دالته ومكانته الممتازة في الوطن العربي.
كان العرب يرون أنفسهم، والعالم، من خلال صحافته، وكانوا ينظرون إلى الهامش الديموقراطي فيه وكأنه واحتهم جميعاً: عبرها يتنفسون ويقولون ويسمعون أصوات المختلفين بالرأي معهم وإن اتفقوا على الغاية.
و”النهار” أحد أبرز عناوين التراث الديموقراطي في لبنان، وهي قد اكتسبت أهميتها حين تحررت من محليتها وصارت ما يجب أن تكون الصحيفة في لبنان: منتدى حوار ومنبراً لإعلان الرأي والرأي المضاد وخدمة مهنية بالمعلومات والدراسة والتحليل والتحقيق والتعليق والصور والكاريكاتور المكتنز بروح النقد والسخرية من الخطأ السائد.
ولقد بدأت العلاقة مع “النهار” من موقع الخصومة السياسية، قبل أن تتهذب تدريجياً بالزمالة، ثم بالتنافس الذي يغلب احترام الكفاءة والاتقان والحضور على التناحر.
ثم اجتاحتنا ريح الموت جميعاً فعززت إيماننا بالديموقراطية وابسط شروطها التضامن لحماية حرية الرأي والتعبير وكرامة المواطن، كإنسان.
لهذا ترى “السفير” إن لها في عيد “النهار” نصيباً مشروعياً، ففي إحياء الحرية نلتقي فنتفق ونختلف ولكننا نحاول – ومن الموقعين – أن نسهم في صنع غد عربي أفضل.
ومبروك لغسان تويني وللزملاء في “النهار” ولكل حامل قلم في لبنان العيد الستين.
… وبالشكر تدوم النعم!
مشكورة الولايات المتحدة على تبرعهم السخي بتجهيزاتها الفخمة لمستشفى بسبعمائة سرير.
ولكن… أما كان أفضل لنا (ولها) لو إنها ساعدت على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية حول لبنان، وأبرزها القرار 425، فوفرت على شعب لبنان المزيد من القتلى والجرحى بنار العدو الإسرائيلي، ووفرت على نفسها المساهمة في مداواة الجراح!
ومشكورة هي الولايات المتحدة الأميركية في سعيها الحثيث لإعادة النازحين من أهالي جبل عامل والبقاع الغربي إلى قراهم، وقد تركوها لينجوا بجلدهم من جهنم الاجتياح الإسرائيلي الذي دكها دكاً من البر والبحر والجو…
ولكن… أما كان أكرم لنا (ولها) لو أنها ضغطت لمنع اجتياح التدمير والتهجير، والذي اقتلع مئات الآلاف من اللبنانيين ورماهم في عراء الشرعية الدولية المعززة بقوة الدفع التي يملكها الشريك الكامل لبطل الاجتياح؟!
*للمناسبة: كان السفير الأميركي في بيروت قد تبرع بمبلغ خمسة وعشرين ألف دولار باسم السفارة، ثم بما قيمته أربعمائة ألف دولار على شكل تقديمات عينية (مواد غذائية أساساً).
ومع الشكر والتقدير للسفارة والسفير لا باس من التذكير أن دولة بنغلادش قد تبرعت قبل أيام، بمبلغ مائتي ألف دولار لمساعدة ضحايا الفيضانات في الولايات المتحدة الأميركية… وهذا المبلغ يشكل نسبة ملحوظة من ميزانية هذه الدولة البائسة التي يتساقط أهلها يومياً ضحايا للجوع.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان