.. وفي الكويت كما في لبنان: معركة “ملكية” لإلغاء آخر ما تبقى من حريات إعلامية، وآخر الشواهد والشهود والشهداء على وجود قدر ما من الديموقراطية، بما هي حق المواطن في أن يعرف وفي أن يعبّر عن رأيه وفي أن يختلف مع حاكمه، لاسيما متى أخطأ.
وكما في لبنان كذلك الكويت: حاولت الحكومة “الملكية” لن تدمر الحصن الثاني للديموقراطية (الصحافة) باستخدام الحصن الأول للديموقراطية، أي مجلس النواب أو بعضه… وهي إذا كانت قد عمدت في بيروت إلى تهريب النصاب أمس، مستغلة النفوذ الذهبي لـ “نائب” الملك. فإنها في الكويت حاولت تمرير المشروع المشبوه بتشديد العقوبة على الصحافة والصحافيين عبر خمسة من النواب الصناديد والمعروفين بطول الباع وعرض الكف ونعومة الأنامل وعشقهم للعطايا “الملكية”.
لكن أكثرية المجلسين، في لبنان كما في الكويت، لا يمكن أن تبالغ في حب “الحكومة” إلى حد الانتحار، وقتل البلاد والعباد،
فمجلس النواب بلا صحافة وإعلام يتحوّل إلى “مكملة”، ويفقد بعض معنى وجوده، إذ يصبح صوتاً بلا صدى لأنه ليس بذاته “الديموقراطية”، بل هو محرابها في حين أن الصحافة هي منتداها وهي المعبّر المباشر عنها والمجسّم لقيمها والمبلور للصراع بين الآراء والاتجاهات والأفكار والمصالح والهموم، والعاصم من الانفجار بسبب القمع والكبت وطمس حقيقة التمايز والتعارض بين القوى السياسية المختلفة.
إنهما، مجلس النواب والصحافة خصوصاً والأعلام عموماً، مؤسستان متكاملتان: إضعاف إحداهما تمهيد للقضاء على الأخرى، أو تهميش للمؤسستين معاً بحيث يتحولان إلى أدوات زينة تموّه الحقيقة وتجمل بشاعات العسف والتفرد بالقرار واحتكار السلطة.
وطبيعي أن يكون مجلس النواب إلى جانب الصحافة، فالديموقراطية تحمي الديموقراطية والقمع يحمي القمع، ومن يريد الخلاص من إحدى المؤسستين لا يضمر الخير للثانية قطعاً إنما “يمرحل” معركته بحيث ينتهي دكتاتوراً مطلقاً، لا قيد على حركته ولا من يراقبون.
إن صحافة لبنان هي ضرورة عربية (ومن ثم عالمية) وليست شأناً محلياً محدود الأهمية والتأثير،
والمجلس النيابي يحمي نفسه ودوره بحمايته الحريات العامة والمؤسسات الديموقراطية، وفي طليعتها الصحافة وأجهزة الأعلام عموماً.
وعندما لجأت صحافة لبنان إلى المجلس النيابي للخلاص من القيود التعسفية التي فرضها المرسوم “الدكتاتوري” النزعة (104)، كانت إنما تحاول المساعدة على حمايته وحماية دوره الوطني وليس فقط حماية ذاتها كواحدة من أبرز وأرقى مؤسسات الديموقراطية.
لم تكن الصحافة تهرب من القانون، وإنما تلجأ إلى القانون ومصدر التشريع لكي يحميها من الذين يهمهم تعطيل القوانين لكي يحكموا البلاد بالمزاج والهوى والمصلحة المضاربة بالدولار واستثمار الأزمة الاقتصادية الخانقة والاتجار بحقوق الناس واستغلال حاجتهم للتفريج من ضائقتهم بانعكاساتها الاجتماعية الحاجة.
وأجهزة الأعلام المرئي والمسموع تهرب الآن إلى القانون لا منه، لكن الرافض للقانون هو هو الرافض للديموقراطية والمندفع نحو مزيد من الاحتكار، احتكار العقار والدولار والفضاء بعد لاأرض وتدجين الرأي وتعقيم الكلمات ومحاصرة الأفكار وتفطيسها في المستنقع الطائفي والمذهبي، أو سوقها إلى القفص “الملكي” المذهب مخفورة لكي تموت هناك.
والمجلس النيابي في لبنان مُطالب الآن، ومرة جديدة، بحماية رمز آخر من الرموز المتبقية، على وهنها، للديموقراطية في الأرض العربية، وهو “مجلس الأمة الكويتي”… وحمايته تكون بإعطاء القدوة والتصدي لأعداء الديموقراطية والحريات العامة (والإنسان العربي) ، وبقوة القانون لا بقوة “البلطجة” وتعطيل القانون أو الخروج عليه.
إن معركة حرية الأعلام في لبنان هي معركة قومية، وهي دائماً كانت كذلك فكيف اليوم والغزو الثقافي والإعلامي الصهيوني يكاد يجتاحنا في غرف نومنا ويتحكم بصياغة عقول أبنائنا وقيمتهم وهم أطفال يدبون ويتربون على ما يزرعه فيهم؟!
وحماية الديموقراطية في لبنان تحمي هذا القادر الباقي منها في الكويت، وتشجع كل طامع إلى ممارسة حقوقه وحفظ كرامته (كإنسان ثم كمواطن)، وإلى مواجهة محتكر السلطة أو محتكر الثروة أو محتكر النفوذ أو محتكر ذلك كله، على حساب شعبه بقواه وفئاته جميعاً.
اليوم يوم المجلس كحصن للديموقراطية،
وهو امتحان لا بد من النجاح فيه وإلا سقط المجلس قبل الصحافة والأعلام، وهو سقوط مكلف لأن لبنان لا يعيش بلا حريات، وبديل الحريات هو الحرب الأهلية،
ولا نظن أن الحكومات، حتى الملكية ، مفوضة بإشعال حرب جديدة هنا أو في أي مكان آخر!
العودة بلا فلسطين!
من حيث المبدأ فليس من فلسطيني لم يقاتل إسرائيل، وكعدو.
ومن حيث النتيجة، نتيجة اتفاق غزة – أريحا، فإن شرط إسرائيل للسماح لأي فلسطيني بأن “يعود” ولو إلى غزة أو أريحا هو أن يثبت أنه لم يقاتلها، أي أنه لم يكن فلسطينياً.
أما هي، إسرائيل، فما تزال العدو، وما تزال تقاتل وتقتل كل “فلسطيني” تعثر عليه في الداخل!
لكن “القائد” الذي صار “رئيس إدارة الحكم الذاتي” يترك خلفه كل الذين فتحوا له باب العودة إلى فلسطين، ويتخلى عن الدم الذي أطاح بالسدود، في الداخل كما في الخارج.
كأنما شرط “العودة” المتجرد من الفلسطينية ومن فلسطين،
إلى أين، إذاً، هي العودة؟!
وإذا بقيت فلسطين خارجاً فماذا يصبح تصنيف “العائد وحيداً”؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان