أصر “الناخبون” في مختلف أنحاء الجمهورية “الثانية” التي جددت نوابها بالتعيين، على تمثل دورهم المفتقد، فاغتنموا المناسبة للادلاء بأصواتهم… بعد إعلان النتائج!
وعلى امتداد أسبوع طويل، كان “الناخبون” يتجمعون في وفود ويقصدون بيوت من كانوا يريدون انتخابهم، متجنبين بيوت أولئك النواب الذين هبطوا بالمظلات من سماء… القرار السياسي.
كان “الناخبون” يعترضون، بأسلوبهم، على التعيين، وينفون غيابهم، ويثبتون بحضورهم إن لهم – برغم كل شيء – كلمتهم في ما لم يسألوا فيه.
ولقد عادوا “فانتخبوا” من يريدون و”شطبوا” من فرضته عليهم الظروف.
أبرز “الساقطين” في “الانتخابات” الشعبية كانوا الأقرب إلى أعلى المواقع في السلطة، والمحسوبين مباشرة عليهم.
… ولم ينفع نفاق السلطة كثيراً في تمويه هذه الحقيقة أو التخفيف من وقعها، ومن كثر “تعييره” بأنه “معاز” نال من الأصوات أكثر من “دكتور السلطة”، و”شيخ العشيرة” بدأ أعظم شعبية بما لا يقاس من بعض رموز المد الثوري والتغييري، باسم الشعب وانتفاضاته المقدسة!
عرب الخسارة…
الخصوم ما زالوا هم الخصوم، ولعلهم يتزايدون وتتزايد حدة خصومتهم،
والأصدقاء يتحوّلون إلى “وسطاء”، منتقلين من صف العرب وتأييد قضيتهم إلى نقطة تتوسط المسافة بين أصدقائهم القدامى من العرب وبين أصدقائهم الجدد: الإسرائيليين،
وهكذا يخسر العرب مرتين: يفقدون أصدقاءهم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، والأهم في “المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي العظيم”، في حين تتعاظم قوة إسرائيل بانتقال هؤلاء الذين كانوا خصوماً إلى خانة “الوسطاء” إن لم نقل “الأصدقاء” للكيان الصهيوني.
ونتيجة استشعار العرب بمزيد من الضعف، يوماً بعد يوم، والخوف من العزلة، والغرق في لجة هوان الهزيمة، يتنازلون أكثر فأكثر عن مواقفهم ومواقعهم ومصالحهم، فتبهت “القضية” وتصير “بقاياها” أتفه من أن تجعلهم يستعدون العالم أو يضحون بأنفسهم ، بوجودهم، أو حتى برفاههم من أجلها.
كانت فلسطين قضية العالم بأسره: قضية الإنسان في نضاله ضد الظلم والاضطهاد والاقتلاع والتمييز العنصري.
وكانت إسرائيل “القضية – المضادة” : الظلم المطلق، التجبر بالقوة، الاستعمار الاستيطاني، العنصرية التي تحتقر في غير اليهودي إنسانيته.
هل يعني تناقض أصدقاء العرب وقضيتهم القومية فلسطين إن “النظام العالمي الجديد” لم يُبق مكاناً فسيحاً للمبادئ والقيم والعقائد والأفكار التي كانت الحادي لموكب التقدم الإنساني على مر العصور؟!
هل العيب في العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، أم في الظروف المتحوّلة باستمرار؟!
لقد ضاع الأصدقاء القدامى، أولئك الذين كانوا يتماثلون مع العرب بقهذا القدر أو ذاك، أو يتلاقون معهم على أرض الإيمان بمبادئ واحدة،
وعندما تنهار صداقة من الصعب حصر المسؤولية بأحد طرفيها وتبرئة الآخر.
من هو المعني، بين القيادات العربية، بمناقشة أسباب ضياع الأصدقاء من “الملونين”، كالعرب، في أفريقيا وىسيا وأميركا اللاتينية، وبعض الذين كانوا يتعاطفون معهم قافزين فوق واقعهم “العنصري” في أوروبا؟!
لقد خسر العرب معظم هؤلاء الأصدقاء من دون حرب! كانوا يرونهم يبتعدون عنهم تدريجياً فلا يقلقون، ولا يحاولون معرفة السبب، ولا يتدخلون لوقف الخطأ، ولا يتحركون للتصدي لتغلغل إسرائيل الذي بدأ تسللاً وانتهى اجتياحاً،
ولعل الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن بعض العرب قد بدأوا رحلة الابتعاد عن قضيتهم، قبل “الآخرين”، وأنهم “خذلوا” أصدقاءهم في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
من هنا إن العرب يستشعرون حالة من العزلة، لا يؤنسهم فيها صديق أو رفيق سلاح.
لقد فرّطوا بسلاحهم بعدما فرّطوا بأرضهم، وفرّطوا بأصدقائهم سعياً وراء تحالف مستحيل مع زعامة معسكر الخصوم، فكانت الخسارة مزدوجة وفادحة.
… وماذا ينفع الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه؟!
فكيف إذا خسر نفسه وخسر العالم ايضاً ولم يربح حتى السلامة ولو بشروط مهينة؟!
ثم… كيف لا يعاني العرب من العزلة طالما إن كلا منهم يحصّن نفسه ويعلي الجدار الفاصل بينه وبين “أخيه” العربي الآخر، ويلغم الأرض حتى لا يتم التواصل بينه وبين ذاته!
الزولو عند العنصريين…
… للمناسبة: بين الأخبار الملفتة “عربياً” زيارة ملك قبائل الزولو في جنوب أفريقيا إلى الكيان الصهيوني، وقد وصله مباشرة من واشنطن وبعد لقاءات فيها مع كبار المسؤولين في إدارة بوش.
نظرياً: يفترض أن يكون ملك الزولو أحد الضحايا التاريخيين للاضطهاد العنصري الذي كان يمارسه الحكام البيض لجنوب أفريقيا ضد شعبها الأفريقي… الأسود.
… ويفترض أن يكون معادياً بالسليقة وبالسياسة وبالعقيدة للكيان الآخر القائم على التمييز العنصري فوق أرض فلسطين.
برغم ذلك فملك الزولو يستمتع الآن “بحنان” روّاد الإنسانية في إسرائيل،
… جنباً إلى جنب مع “الفلااشا” الذين سحبتهم إسرائيل بالطائرات الأميركية من قلب القارة السوداء لتحررهم من اضطهاد أهلهم الأفارقة، ولتستخدمهم بدلاء لأهل الأرض في فلسطين ومؤدبين لمن تحدثه نفسه من العرب بالاعتراض!
الأندلس اليهودية…
… وللمناسبة أيضاً: يقوم وزير خارجية إسرائيل ديفيد ليفي الآن بزيارة إلى إسبانيا بين أهدافها إلغاء مرسوم ملكي كان صدر هناك قبل خمسمائة سنة تماماً “يفرض قيوداً على اليهود الأسبان”.
وإسرائيل لها رأيها في احتفالات إسبانيا، العام المقبل، بالذكرى الخمسمائة لرحلة كريستوف كولومبوس في اتجاه “العالم الجديد” والتي انتهت “باكتشاف” أميركا!
فإسرائيل تعتبر عام 1492 عام طرد اليهود من إسبانيا (إذ كانوا حلفاء لعرب الأندلس، وقد طاردتهم كما المسلمين محاكم التفتيش الشهيرة)…
… ها هم اليهود يعودون إلى الأندلس الجديدة، جنباً إلى جنب هذه المرة أيضاً مع عرب ملوك الطوائف والنفط والكباريهات وأندية القمار وسائر لصوص العروش!
إسرائلي تطالب إسبانيا بتعويضات عن يهود كانوا فيها قبل خمسمائة عام!
… بعض العرب يدفعون في الكازينوهات وأندية الليل على شواطئ ماربيا “كفارات” عن وجود أجدادهم فيها وإقامة أحد أعظم صروح الحضارة آنذاك فوق أرضهاز
للمناسبة أيضاً وأيضاً:
استكملت إسرائيل، تقريباً، حصر الآثار العربية في الأندلس، من أدب وفن وموسيقى وطراز بناء، واعتبرتها جميعاً من إنجازات العقل اليهودي، وأنكرت على العرب أية علاقة بها!
مع الأرض والكرامة يؤخذ منك الوجدان والإبداع والتذوق!
اليهودي يخرج من التوراة واصلاً ما انقطع في تنفيذ كلمة الرب!
والعربي يخرج من التاريخ عائداً إلى جاهليته، تائهاً في صحراء الهزيمة البلا حدود!
… حتى إشعار آخر، يسهر في انتظاره الساهرون!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان