… وأيضاً بعض الأسئلة الساذجة حول الحل العربي المبسط للمسألة اللبنانية المعقدة:
*سؤال – كيف، وفي العصر الساداتي، تتدخل الولايات المتحدة الأميركية بكل نفوذها “لتقنع” طرفاً عربياً، كائنة ما كانت فعاليته، بضرورة قطع العلاقة مع إسرائيل؟!
فليس سراً أن المتورطين في قيادة حزب الكتائب بالعلاقة مع العدو الإسرائيلي لم يحسموا أمرهم، ولم يسلموا بضرورة تغيير موقفهم في اتجاه الاعتدال والقبول بالحل العربي، إلا بناء لطلب فيليب حبيب (حتى لا نقول نتيجة لضغطه عليهم).
وليس سراً أن حبيب لعب دوراً أساسياً في إقناع بشير الجميل بإصدار “بيان القطع” الشهير، وإن الدفعة الأولى من ثمن هذا البيان جاءت على شكل دعوة رسمية لبشير لزيارة الولايات المتحدة، وهي الزيارة التي بدأها القيادي الكتائبي فعلاً عندما انتقل قبل أيام إلى قبرص في طائرة مروحية، ثم اضطر إلى العودة في الطائرة نفسها نتيجة عملية غش صغيرة لم تهضمها السلطات القبرصية خصوصاً وقد اشتبهت بضلوع السلطة اللبنانية أو بعض أطرافها فيها.
وكان عربون الزيارة ذلك البيان الغريب في مضمونه والذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية بعد 24 ساعة من “بيان القطع” الصادر عن بشير، معلنة فيه ترحيبها بهذه الخطوة التي اعتبرتها “عنصراً إيجابياً” من شأنه أن يوفر مدخلاً إلى حل المسألة اللبنانية.
أي أن الدولة العظمى التي رعت اتفاقات كامب ديفيد وشهدت عليها ومارست وما تزال سياسة قوامها فرض الصلح مع إسرائيل على العرب، ونجحت في إيصال السادات إلى توقيع صلح منفرد خرج به على أمته وإرادتها، تصرفت في لبنان بشكل معاكس بل متناقض، تماماً، إذ شجعت طرفاً محلياً على علاقة إسرائيل على قطعها موفرة له (على الأرجح) ضمانة كافية بأن لا يلحقه أذى الإسرائيليين نتيجة هذا القطع!!
أكثر من هذا: الثابت أن فيليب حبيب قد نصح الكتائب (وبشير تحديداً) بالسعي إلى تصحيح علاقته بالسوريين مؤكداً له أن لا حل للمسألة اللبنانية من دون سوريا أو من وراء ظهرها…
فما سر هذه الغيرة المفاجئة على العرب والعروبة والحل العربي عند واشنطن وموفدها السامي فيليب حبيب؟1
*سؤال ثان – بات ثابتاً في الأذهان إن لكل طرف في المسألة اللبنانية (سواء أكان محلياً أم عربياً) خطاً أحمر لا يتجاوزه ولا يتعداه مهما كانت الظروف. وهذه خريطة الصراع منذ 1975 وحتى اليوم شاهد حي وناطق، فمن يستطيع أن يحدد موقع “الخط الأحمر” بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية في لبنان”؟!
صحيح إنها دولة عظمى وهائلة الإمكانات وجبارة القوى، لكن عدم وجود خط أحمر أمامها يلغي الأطراف جميعاً (المحلية والعربية)، ويسقط نهائياً إمكانات الحل، إذ لا حل بلا أطراف وبلا توازن دقيق يحكم الصراع بين هذه الأطراف ويشكل قاعدة للحكم، أي حكم.
فهل حدد الحكم في لبنان خطاً أحمر أمام الإرادة الأميركية، خصوصاً مع إمحاء الحدود – أو عدم وضوحها – بين الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي؟!
وهل تكفي السعودية بعلاقتها الخاصة جداً والمميزة جداً مع الولايات المتحدة ضامناً وشاهد إثبات أو “لجنة مساحة” مكلفة بوضع التخوم والإشراف على عمليات الفصل بين القوى وتأمين اتفاق جنتلمان في ما بينها على الكوتا وطريقة توزيع الحصص ونسبها؟!
*سؤال ثالث (استطرادي) – وإذا كانت السعودية تملك مثل هذا النفوذ حقاً على الولايات المتحدة – وضمناً إسرائيل – وعلى حزب الكتائب، وبالتحديد من يسمون بـ “الصقورب” في قيادته ، فلماذا تأخرت كل هذا الوقت حتى جاءتنا بمثل هذا الحل السحري؟!
*سؤال رابع – لقد كثفت إسرائيل حربها ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان في الفترة الفاصلة بين اجتماعين للجنة المتابعة ، وبالتحديد في الفترة الفاصلة بين إصدار بشير الجميل بيانه حول العلاقة مع تل أبيب والموعد المقرر لاعتماده من قبل اللجنة، كمدخل قبول لبدء حوار جدي حول الحل.
ثم فجأة وعشية الاجتماع الرابع في 25 تموز تدخل الساحر الأميركي فأوقف الطائرات المغيرة على المدن والأحياء السكنية والقرى والدساكر والجسور، وأسكت المدافع التي كانت تحرق ما تبقى من الجنوب.
أليس في هذا ما يلفت؟!
أليس ملفتاً أن تفرض إسرائيل (ودائماً في ظل وساطة فيليب حبيب) على لجنة المتابعة العربية التعاطي مع الوجود الفلسطيني في لبنان بوصفه هو العقدة وحلها هو الحل، وتفرضه بينما الجنوب رهينة في يدها، في حين أن اللجنة كانت توحي للناس وكان إخراج إسرائيل من لبنان هو العقدة وحلها هو الحل…
ثم أليس ملفتاً أن يتدخل ممثل الدولة الكبرى الوحيدة في العالم التي لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تقبل أن يلتقي أي مسؤول فيها، وعلى أي مستوى بمن يمثل هذه المنظمة ولو في الأمم المتحدة. لإقناع إسرائيل بوقف النار ضد الفلسطينيين في لبنان، ولو إلى حين، فيكون له ما يريد، مع ما يتضمن ذلك كله من مكاسب سياسية لمنظمة التحرير تزيد من وزنها العربي والدولي؟!
إن في هذا كله ما يبعث على الريبة والخوف فعلاً، ويجعل التساؤل عن الثمن المطلوب واجباً، بغض النصر عن كونه مشروعاً وضرورياً ومقلقاً.
فما هو الثمن، ومن الذي سيدفعه؟
وأين الحدود في مثل هذا الأمر، بين لبنان الوطن، وفلسطين الوطن، وكلاهما في النهاية واحد في العين الإسرائيلية؟
وإذا ما قيل أن السعودية قد استطاعت أخيراص أن تقنع الولايات المتحدة بعدالة القضية الفلسطينية وبضرورة توفير حل لها، لجاز السؤال: ماذا عدا مما بدا حتى تبدل موقف واشنطن؟ وهل مجيء ريغان الكاوبوي والمتشدد حتى مع حلفائه الغربيين (كما يوصف) يسمح بتمرير مثل هذه الكذبة؟! أم أن رفع معدل إنتاج النفط إلى مستوى غير مألوف وغير معقول ومضر بالأمة العربية ومصالحها الحيوية ومستقبل أجيالها الآتية، مع التكسير الفظيع للسعر العالمي، هو “السلاح” الذي استخدم لتطويع الكاوبوي العجوز؟!
في أي حال يظل ضرورياً أن يصل الناس في لبنان إلى طاولة الحوار الوطني، لكن التساؤل يرتبط بطبيعة إعداد المسرح، ومدى تلاؤمها مع الغاية المرجوة منها. إن الخلاف مع الكتائب كحزب، بعد استبعاد العنصر الإسرائيلي، يأخذ حجمه الطبيعي في خريطة الصراع التقليدي بين القوى والأطراف السياسية المتباينة والمتنافرة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والسياسية والأيديولوجية.
ومثل هذا الخلاف لو أنه ظل في إطاره الطبيعي وفي حجمه الطبيعي، لا يحتاج وسطاء في مثل وزن الولايات المتحدة الأميركية.
ومع الإقرار بأن الكتائب تمثل أو تستقطب جمهوراً عريضاً في بعض مناطق لبنان، فلا نظن أن أياً من القادة الكتائبيين “كبر رأسه” إلى حد الافتراض أنه بات من العظمة بحيث لا يرضيه وسيط لا يتمتع بقوة الولايات المتحدة مضافاً إليها نفط السعودية ودهاء الكويت”
إذن ثمة سر،
والسر يمس إضافة إلى لبنان، الدولة بأرضها وشعبها والمصير، فلسطين وقضيتها، وحركة شعبها الثورية المسلحة، والجمهورية العربية السورية، ومن ثم سائر العرب،
وأكثر الأسئلة سذاجة هو بالتأكيد الذي يتركز على هذا السر الكبير ويحاول كشف ألغازه، ومعها السبب الحقيقي في حالة “التشاؤل” – أي تلك الخلطة العجيبة من التفاؤل والتشاؤم، التي يعيشها الحكم في لبنان –
أما السعودية فمتفائلة جداً، بشهادة صور على الشاعر وتصريحاته وأما الكويت فسعيدة جداً بصحبة الكبار.
وأما الشاذلي القليبي فساع إلى الخير منتهزاً حلول شهر رمضان المبارك، لعل الحل يجيء (لا يهم كيف ومن أين) “بجاه هذا الشهر الفضيل”.
وأما بشير الجميل ومعه كميل شمعون فمستعجلان على بدء الحوار والحل لدرجة إنهما لا يطيقان مهلة الشهر المتروكة للتمهيد.
عجباً، أي حل هذا الآتي إلينا عبر الدمار والدم والأف 16 وملايين براميل النفط المنتجة يومياً؟!
… مع هذا فنحن لسنا ضد الحل.
ولنا شرط وحيد: أن يكون هذا الدخان كله دليل وجود حل، حقاً، وليس مجرد قنبلة دخان للتعمية، أو لجعلنا نضيع على طريق الحل الصحيح.