رب ضارة نافعة: فها هي “عاصفة الصحراء” الأميركية تستنبت الربع الخالي ديمقراطية سعودية عبر إعلان عن غقامة “مجلس الشورى”.
بعد سنة فقط على الهزيمة القومية الشاملة التي أوقعها “التحالف الدولي” بالعرب، فمزقت صفوفهم واسقطت تضامنهم ودمرت قدراتهم وصادرت قرارهم وأرضهم وثرواتهم، ها هو النظام السعودي يعوض على الأمة خسائرها فيقرر أن يعين “الشعب” مستشاراً.
وإنه لأمر مفرح أن تفرّخ “الديمقراطية” في الجزيرة العربية بعدما أبيدت بذرتها بالدبابات في الجزائر قبل أسابيع فقط.
صحيح إن “مجلس الشورى” سيكون بالتعيين لا بالانتخاب، وإن التعيين لن يتم قبل ستة شهور، وإنه ليس لهذا المجلس العتيد حتى أن “ينتخب” رئيسه وأمينه العام، فهذه جميعاً من اختصاص الملك،
وصحيح أن القرار قد تأخر كثيراً عن موعده المفترض، وإن الممارسة ستكون شكلية، وإن “رغبة” أميركية هي التي أملته واستصدرته.
وصحيح إن توقيت إقامة مجلس الشورى ملفت إذ سيسبق الانتخابات المقررة، مبدئياً، في الكويت، وهما معاً سيسبقان الانتخابات الرئاسية الأميركية فيوفران لجورج بوش فرصة الحديث عن إنجازه “الديمقراطي” في المناطق التي “حررها” من الاحتلال العراقي كما من تخلف أنظمة الحكم فيها،
المهم إن اعترافاً ملكياً بوجود “شعب” قد صدر رسمياً، وهذا أمر يتجاوز الخيال.
في مجال تقدير هذه اللفتة الملكية نعيد هنا مقاطع من حوار أجرته “السفير” مع الأمير فهد بن عبد العزيز، وكان بعد ولياً لعهد المملكة حول “مجلس الشورى” قبل اثني عشر عاماً وشهرين بالضبط، أي في أوائل كانون الثاني (يناير) 1980 في الرياض.
هنا النص الحرفي للأسئلة والأجوبة:
“سالنا: – منذ الستينات ترتفع أصوات في المملكة، وبينها أصوات من داخل العائلة، تتحدث أو تطالب بتغييرات وبإجراءات تفتح الباب أمام أي نمط من الديمقراطية، وفي البيان الذي تلوته شخصياً، نيابة عن الملك خالد، عند تنصيبه خلفاً للمغفور له الملك فيصل (العام 1975) أشرت إلى “مجلس الشورى”…
“قاطعنا ولي العهد السعودي ليقول بسرعة:
“- لقد سألت عن موضوع نحن الآن، فعلاً، بصدده، بل إننا نعمل في الإعداد له منذ شهر ونصف، ونكاد ننجز وضعه في صيغته التنظيمية النهائية. أما لماذا تأخرنا فالحقيقة إننا كنا نفتقر، قبل سنوات، إلى الإمكانات والطاقات والمستويات العلمية التي يمكن الاعتماد عليها. اليوم صار لدينا في المملكة مستويات علمية ممتازة، ورجال مفكرون وتفكيرهم سليم جداً… على هذا فسوف سيكون لنا قريباً “مجلس شورى” يتألف من عدد لم نحدده بالضبط بعد: ربما 50 أو 60 أو 70 لا أعرف تماماً الآن.
“- وهل سيكون هذا المجلس بالانتخاب؟
*لا، بل سيتم بالتعيين في البداية علينا أن نمشي بالتدريج، لقد جربنا الانتخابات، مثلاً، في المجالس البلدية، أجرينا انتخابات حرة تماماً، فهل تعرف من فاز فيها؟! فاز أولئك الذين لا يفقهون شيئاً! لقد فاز من يملك الفلوس!
– إذن سيقوم مجلس شورى بالتعيين، بقي أن نعرف متى؟!
*في فترة لا أظنها تتجاوز الشهرين… وهي مدة نحتاجها من أجل انحياز النظام الأساسي.
– يعني “الدستور”؟!
*يمكن أن تقولوا هذا، أما نحن فلا نستخدم تعبير الدستور في هذا المجال، لأن الدستور هو القرآن، المهم أن النظام الأساسي قيد الإنجاز الآن، وسيكون في طليعة الأمور التي سينظر فيها مجلس الشورى بالنتيجة لإقراره واعتماده .
– ومن يعد هذا النظام الأساسي؟!
* مجموعة من اللجان المتخصصة وهي ستعد المشروع، ثم يتولى مجلس الشورى، بعد تعيينه النظر فيه، فيعدل في مواده أو يضيف عليها ما يراه.
– وكم عدد المواد في المشروع المعد حالياً؟
* حوالي 200 مادة… وغداً متى أنجزنا هذين الأمرين يزداد اطمئناننا ونحن كمسؤولين في الدولة، إلا أن الأمور لا يعهد بها إلى خمسة أو ستة أشخاص، بل ستشمل المسؤولية أعداداً كبيرة من المواطنين”.
هذا ما قاله لنا “الأمير” فهد بن عبد العزيز، قبل 146 شهراً بالتمام والكمال.
وها هو الملك فهد ينجز وعد الأمير فهد… ولا يهم التأخير، فإن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً، كما يقول المثل الفرنسي.
بقي ألا يطرأ ما يفرض على الملك المزيد من التأخير في تعيين “الشعب”،
المهم أن يثبت كلام الملوك، مرة، إنه قابل للتحقيق، حتى في مملكة الصمت والذهب، وكلاهما أسود.
ملاحظات سريعة
*بعد الجامع، جاء دور الجامعة في الجزائر.
طرد المصلون، وها هم الطلاب يطردون، أما العمال والفلاحين فمطرودون من البلاد كلها ومنذ فترة بعيدة.
كل ذلك من أجل حماية حق الشعب في الديمقراطية!
لكم هي مكلفة هذه الديمقراطية!
*بالتأكيد هناك من يشاغب على لبنان، وبالذات على أوضاعه الاقتصادية.
لكن المواطن ما عاد يستطيع التمييز بين الشغب الإسرائيلي والضغط الأميركي وبين سوء الإدارة والارتكاب والتجاوز وسائر “إنجازات” الحكم، لاسيما على الصعيد الاقتصادي – الاجتماعي.
أين الحدود بين “المؤامرة” وبين “النهب” المنظم بقوانين ومراسيم وبمشاريع إعمارية باهرة تخفي طمعاً لا حد له في نهب ما تبقى من خيرات البلاد ومن موجوداتها سواء في مجال العقار أم الدولار؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان