كل عام وأنتم بخير، برغم الهزائم والانتكاسات والمهانة والكرامة الجريح.
وها هي الأمة تثبت، عبر التململ والارهاصات والانتفاضات والإصرار على ممارسة الديموقراطية والتصدي للقمع الداخلي وللاذلال الخارجي، إنها – برغم كل ما أصابها – ليست بحيرة راكدة ولا هي أرض اليباب والعقم والجدب والقحط، وإن الربع الخالي هو بعض المساحة الشاسعة لقطر واحد من أقطار الوطن الكبير.
ها هي الجزائر تتحرك وتحاول استدراك غدها، وينزل شعبها إلى الشارع مؤكداً حضوره، رافعاً صوته بالمطالب الحق، وليست مهمة الألوان والتسميات، فالناس هم الناس وحقائق الحياة لا تتبدل بهذه البساطة، وليس عادلاً أو صحيحاً ذلك التقسيم الغربي للمسلمين العرب بين إسلاميين وليبراليين!
وها هو الأردن يضع قدمه على طريق الديموقراطية، وينفتح الباب وسيعاً أمام حوار غني ومتعدد الأصوات والنبرات، وتؤكد جماهيره حضورها مانعة الطرح الإسرائيلي لـ “الخيار الأردني” كمدخل لتصفية القضية الفلسطينية.
ها هي تونس تنهض من نومها، وتبدأ رحلة استعادة الوعي بالهوية وبالدور، فيضطر نظامها إلى مداراة الشارع وتحقيق الحد الأدنى من مطالبه، مقراً بوجود الرأي الآخر، ولو بحدود… وهي رحلة طويلة لكنها وقد بدأت من الصعب وقفها أو حرفها عن مسارها.
… وفي المغرب نار تحت الرماد، والعرش يحاول استنقاذ مستقبله بإعادة صياغة الحياة السياسية مقدماً بعض “التناولات”، مخففاً من قبضته الحديدية، خصوصاً وقد أمكن سحب الفتيل من الكذبة المفخخة التي اسمها “الجمهورية الصحراوية” المعقودة اللواء لجبهة البوليزاريو سيئة السمعة.
أما في الجزيرة والخليج فالأمور إلى مزيد من الوضوح والتحديد.
في المملكة العربية السعودية تتزايد البشائي إن ثمة “شعباً” له طموحاته المشروعة، وإن تلك القارة ليست مجرد ملعب لبضعة آلاف أمير ومعهم الأعوان والخدم والعبيد، وليست أيضاً مجرد حقل آبار تضخ لحساب الولايات المتحدة الأميركية ذهباً. لقد بدأ أبناء الجزيرة يرفعون أصواتهم بالاعتراض والاحتجاج، وتعرفوا إلى التظاهرة والمنشورات والاعتصامات وخطب الجمعة… ولم يعد يكفي لتضليلهم والتغرير بهم أن يسمعوا عبر الاذاعات كلاماً مبهماً عن مؤسسة “مستحيلة” تسمى “مجلس الشورى”.
وفي الكويت تواجه الأسرة الحاكمة امتحاناً عسيراً: أما أن تعترف بأهل البلاد وتعيد إليهم الكثير من الحقوق التي كانت قد صادرتها منهم، وإما أن يعجل في رحيلها “المحرر الأميركي” الذي يريد منها النفط فحسب فإذا ما تحولت إلى عبء على مصالحه لم يتردد لحظة في إزاحتها… وباسم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
ومما يعجل في احتمالات التغيير هذه المحاكمات المهينة التي تجري في الكويت والتي تظهر العرب الوافدين وكأنهم مجموعات من المرتزقة والعملاء.
فالخيانة في الكويت وافدة لا تصيب الكويتيين… فإذا أصابت أحدهم تبين إنه من دون جنسية، والعرب هم الخونة في مقابل المحررين الأميركان.
الطريف إن بين من حوكموات فنانين ومغنين عراقيين، بينهم المطربة العراقية زنوبة عبد الخضر عاشور التي “غنت لصالح المجهود الحربي العراقي”، والمطرب الأردني المعروف عادل عفانة لأنه غنى لمناسبة عيد الجيش العراقي!
مبروك للأنظمة العربية التي هان الهوان عليها حتى لم يعد يؤلمها الجرح.
مبروك لكل أثرياء العرب وحفظة الأموال وناهبي خيرات بلادهم،
مبروك لكل من “تبرع” لجاك شيراك، عمدة باريس الذي صار في فترة رئيساً لوزراء فرنسا، ثم رشح نفسه رئيساً للجمهورية ضد ميتران.
وكانت الذريعة العربية، رسمياً و”شعبياً”، مواجهة تيار اليسار والاشتراكية!
لقد هجم ناهبو الثروات وأبطال الصفقات ولصوص العروش جميعاً لمقاتلة اليسار والاشتراكية في ميتران ولنصرة شيراك الذي كان يصور وكأنه بطل القومية العربية.
جاك شيراك حسب خطاباته الأخيرة التي هنأه عليها العنصري الآخر لوبن شديد الانزعاج من “رائحة” العرب ومن ضوضاء المهجرين الذين يبيعون عرقهم (ذا الرائحة الكريهة لفرنسا) ويتمتعون بتقديم الضمان الاجتماعي في حين لا يدفعون الضرائب!!
كل عام وأنتم بخير،
الهزيمة ليست آخر الدنيا. والبشر يصنعون أقدارهم.
إن لله رجالاً إذا أرادو أراد،
وإن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،
والسلام على من أتبع الهدى.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان