يتصرف حكام العرب وكأنهم ذاهبون إلى جنة السلام،
ويتصرف قادة إسرائيل وكأنهم ذاهبون إلى طور جديد من الحرب لاستكمال هيمنتهم على المنطقة التي كانت عربية والتي حولوها أو هم بصدد تحويلها إلى جهة جغرافية (الشرق الأوسط) لا هوية لها ولا صاحب، للدخيل فيها مثل حق الأصيل، وللوافد حق السيادة على أبنائها الشرعيين، وللمحتل بقوة السلاح مثل ما للذين أعطوها أعمارهم، جيلاً بعد جيل، وصنعوا لها تاريخها والدور الحضاري.
الطريف أن حكام العرب يفترضون أنهم بالسلام الموعود سيستقوون على “شعوبهم”.. فمن الطبيعي أن تكون إسرائيل ي صفهم هم الموقعين على المعاهدات عاقدي الصفقات المنفردة، المتنازلين عن الأرض والحقوق، المسلمين بشروط المحتل والغاصب والقاهر، طلباً لسلامة الرأس والعرش،
والأطرف أن بعض السذج من رعايا أولئك الحكام يفترضون أنهم بالسلام العتيد سيستقوون على حكامهم إياهم، إذ تنتهي مهمتهم ويكتمل إنجازهم، فيصرفهم السيد الإسرائيلي من الخدمة، فاتحاً بذلك باب الديموقراطية وحقوق الإنسان على مصراعيه، ناهيك بالازدهار والرخاء والاستقرار واستعادة الكرامة والانطلاق على طريق التقدم بلا حدود أو سدود!
كأنه تواطؤ متبادل، والشريك واحد في الحالين وهو: العدو “السابق”!
فأما حكام العرب فيتسابقون إلى الإسرائيلي: يتصلون به الآن علناً وبغير تحرج، يقيمون مكاتب الاتصال، ويوجهون الدعوات بالجملة على أعضاء الحكومة الإسرائيلية، ويفرحون باستقبال الوفود الإسرائيلية إلى المؤتمرات التي يستضيفونها.
وأما بعض السذج من الرعايا العرب فيلحون على “إنجاز” السلام، توهماً أن السماء ستمطر دولارات وحريات وديموقراطيات وكرامات بمجرد أن يتم التوقيع والتطبيع والتشليع، والأخطر: توهماً أن السلام سيذهب بالذين وقعوه، فتبقى لهم المكاسب ويذهب عصر الخسارة.
في ظل الانفتاح العربي العظيم على “العدو”، وفتح الأبواب أمامه بغير حدود، يطلع إسحق رابين أمس بقرار من طبيعة “حربية”: بناء مساكن جديدة في مستوطنة “الفي ميناشي” داخل الضفة الغربية،
أي أن رابين وبشحطة قلم بسيطة نسف مجموعة من القرارات والتعهدات التي بعد أن أعطاها للأميركيين أصلاً، ثم لبعض العرب وبالذات منهم جماعة عرفات.
وهو قد نسف على وجه التحديد قراراً كان اتخذه قبل سنتين بتجميد إعطاء تراخيص البناء في المستوطنات، وذلك من أجل الحصول على ضمانات قروض أميركية (قيمتها عشرة مليارات دولار) لتمويل واحدة من موجات استقدام اليهود من الاتحاد السوفياتي السابق،
وهو الآن يكمل ما كان بدأه “خصمه” آرييل شارون حين كان في السلطة كوزير للإسكان، ومارس سياسة خلاصتها أن أرض فلسطين بمجموعها مفتوحة أمام المستوطنين المستقدمين من أربع رياح الأرض،
أي أن إسحق رابين يأخذ سلماً ويأخذ حرباً ولا يجد من يصده أو يرده في الحالين: فوفوده تجوب الأرض العربية من البحرين إلى المغرب (حيث سيحضر المؤتمر الاقتصادي، الذي طلبته تل أبيب، سبعة وزراء إسرائيليون دفعة واحدة)،
إنه يأخذ في السياسة ويأخذ في الاقتصاد، ولكنه لا يتوقف عن أخذ المزيد من الأرض التي ادعى أنه سيعيدها (منتقصة) إلى أصحابها مقابل السلام!
إنه يأخذ السلام والأرض ولا يعطي شيئاً من السلام.
ثم أن حكام العرب يعطون ويعطون ويتنازلون ويتنازلون وقد أمدهم غياب “الشارع” أو “الرأي العام” او “الشعب” عن دائرة التأثير، فهم لم يعودوا يخافون من “رعاياهم” الذين دُجنوا ورُوّضوا وقمعوا (بالرصاص والاعتقالات وغسل الأدمغة والرشى)، وبالتالي فهم أكثر اطمئناناً إلى أن لا بديل منهم.
والعرش أبقى من الأرض.
والعرض يحتاج إلى السلام،
إذاً فلا بأس من صفقة قوامها: السلام مقابل العرش،
أما الأرض… فأرض الله واسعة، ولتبدل الرعية ما شاء لها المزاج من الأحباب والأوطان.
يا سلام!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان