لأن الناس يريدون أن يصدقوا أن دهر الحرب قد انتهى، أخيراً، فقد تغاضوا عن هول الحدث: دخول الميليشيات إلى الحكومة وبكثافة تكاد تجعلها أقرب إلى الثكنة أو الجبهة العسكرية.
ولأن الناس متشوقون إلى “السلام الوطني”، ولو بدا أقرب إلى الهدنة الطويلة، فقد تجرعوا الكأس المرة، بوصفها الدواء الذي قد يشفي السقيم، مهونين هذه البلوى على أنفسهم بالقول: إنها الدفعة الأخيرة من حساب الحرب، بل هي الضريبة الأخيرة تدفع شرعاً للذين خرجوا على “الشرعية” في ما مضى حين أخرجها القيمون عليها على الشعب والدولة.
ولأن الناس من عشاق الحياة، بابتكاراتها الحديثة كالماء والكهرباء والهاتف والطرقات والبواخر والطائرات والمصارف والجامعات والمستشفيات، فقد وافقوا على دفع “الفدية” لاستنقاذ أسباب عيشهم اليومي، وارتضوا أن “يرتقي” فارضو الخوات إلى مرتبة أصحاب المعالي لعلهم – بفضل هذه الرشوة – يسمحون للمجتمع المدني بأن يوجد نفسه ويستعيد حيويته ويفرض قانونه الطبيعي.
ابتلع الناس ألسنتهم، وأشاحوا بوجوههم، وسكتوا… والسكوت رضا!
لم يجهروا بالمعارضة، وهي واجبة، ولم يرفعوا الصوت بالاعتراض، وهو مفهوم ومقبول، ولم يستنكفوا أو يستنكروا أو يشجبوا أو يعتصموا احتجاجاً، وكل ذلك مبرر، بل ولعه “فرض كفاية”!
أما أن تأخذ الميليشيات الحكم ثم تسرف المعارضة، بشعاراتها ومطالبها المعلنة والمضمرة، فهذا فوق ما يطيق الناس، إذ يشعرهم بالمهانة والذلة والانكسار المريع!
يقول المثل المصري العامي “رضينا بالهم والهم ما رضي بينا”
ويقول الرئيس عمر كرامي متملاً بقول الشاعر “يرضى القتيل وليس يرضى القاتل”،
وإنه لأمر نافر ومرفوض أن يكون سمير جعجع هو المستنكف والمعترض والمرشح نفسه لأن يكون حامل راية المعارضة، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للديموقراطية.
إنه المعني الأول حتى لا نقول الوحيد بالمصالحة، فهو خصم الأكثرية الساحقة من “زملائه” و”أقرانه” في هذه الحكومة التي جعلت مهمتها الأولى طي مصفحة عداواته التي لا تحصى، الشخصية وليس السياسية فحسب.
وليس من العدل أن يدخل سمير جعجع نعيم الحكم بتراث “إنجازاته” التي لا تختلف إلا بالدرجة عن إنجازات “زملائه – الأعداء”، ثم يحاول اختلاس شرف المعارضة بسرقة رايتها وشعاراتها المطوية – مؤقتاً – حتى لا تعكر صفو السلام المرتجى.
المعارضة باقية في الشارع، وبين مبرراتها وجود جعجع وأمثاله في حكومة قد لا تصالح إلا أطرافها، في حين يبقى الناس ينتظرون في بيوتهم من يصالحهم مع الحكم كله!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان