يعتب البطريرك الماروني علينا في “السفير”، ويقول في عتابه إننا ظلمناه حين تخوفنا عليه من أن يوظف موقفه المبدئي من الانتخابات لأغراض شخصية أو لمصالح سياسية لا يقرها ولا يقبل بأن تفرض على البلاد.
ومن حق البطريرك صفير أن يعاتب، وأن يوضح إنه إنما جار بالشكوى ورفع صوته بالاعتراض لأن المظالم قد تزايدت، ولأن أحداً لم يستشره ولم يهتم بأن يسمع منه موقفه، ولأن مشروع الانتخابات طرح وكأنه قرار لا رجعة عنه ولا نقاش فيه، بغض النظر عن الأخطاء والتجاوزات ووجوه الخلل التي تحفل بها نصوصه.
ولقد استهول البطريرك الماروني أن يقارن، ولو بصيغة لفت النظر ومن منطلق الحرص عليه، بالجنرال عون، فيندفع تحت ضغط أو إغراء قوى سياسية معينة إلى حيث يسيء إلى نفسه وموقعه أولاً ثم العباد والبلاد في حاضرها ومستقبلها.
وليس البطريرك مثل الجنرال في شيء.
لكن جوقة الزجالين إياها حاولت أن تحيط بالبطريرك في الفترة الأخيرة، وأن تتلطى خلفه فتتخذه متراساً، تطلق النار على الآخرين فتستعديهم على البطريرك، فإذا ما ردت على النار بالمثل كانت بكركي الضحية في الحالين.
وما يعنينا في “السفير”، ألا يكون هناك التباس أو سوء فهم: من قال إن الاعتراض على وجوه الخلل في مشروع القانون والمغالطات والمخالفات والارتكابات ، من تقسيم الدوائر على المقاس إلى التلاعب بالمقاعد وفق الأغراض، أو الاهواء أو المصالح… من قال إن الاعتراض على ذلك كله هو شأن مسيحي لا يخص المسلمين ولا يعنيهم؟!
من يحاول فرض الانقسام حتى على الموقف من الانتخابات، كاستمرار للنهج التقسيمي إياه، فلا يكون ثمة مجال لموقف موحد من قضية أساسية تعني البلاد كلها وأهلها جميعاً كمستقبل الديموقراطية وحقوق الإنسان؟!
هل للخطأ طائفة أو مذهب؟!
أليست الديموقراطية مطمحنا جميعاً؟! أليس التغيير أمنية هذا الشعب المسكين الذي عانى من مدعي الانتماء إلى “التجديد” اضعاف ما عاناه من أهل التقليد، حتى كاد يكفر بكل شيء ، وانكفأ على ذاته بمضغ مراراته وإحباطه وخيباته في الشأن الخاص كما في الشأن العام؟
لماذا إذن يبادر البعض إلى الانفصال وإلى تمييز نفسه توكيداً لكونه “ممتازاً” و”ابن الست”، ويحاول مصادرة الديموقراطية باسم حقوق الطائفة،
حتى في الشأن الديموقراطي المباشر يمتنع علينا أن نمارس الديموقراطية بأبسط صورها، فإذا البعض يشتط إلى حد اعتبار الانتخابات “خيانة عظمى” ويرفع الصوت بمقاطعتها، ويرد البعض الآخر التهمة إلى مطلقها محرضاً على مسخ الانتخابات وإجرائها كيفما اتفق وبمن حضر وفرض “نتائجها” على الجميع، كمقدر لا راد له.
إن المنطقين تقسيميان، وكلاهما مرفوض.
فالانتخابات حق طبيعي، وهي مطلب بديهي لجميع اللبنانيين، وكلما أمكن الإسراع في إجرائها وجب التعجيل فيها.
ولقد طالبنا البطريرك الماروني كما طالبنا ونطالب مختلف القيادات السياسية والروحية باتخاذ موقف سياسي ومن طبيعة وطنية من موضوع الانتخابات.
افترضنا إنها موضوع للوحدة لا للانقسام.
ومن أسف أن هذه المواقف المتشنجة ستحمل مزيداً من المياه إلى طاحونة الطائفيين والمذهبيين، وستعيد الاعتبار إلى الميليشيات، وإلى “أهل التطرف” عموماً ممن لا يريد حلاً وطنياً في لبنان.
ومن أسف أيضاً أن القيادات السياسية غالباً ما تتلطى خلف المراجع الروحية فتحاول أن تضع كلامها على لسان رجال الدين بحيث يستحيل النقاش “الديموقراطي، وتهزم الوطنية أمام الطائفية والمذهبية، ويظل مناخ الحرب الأهلية هو السائد ويظل رموزها متربعين في قيادة السلطة والحكم معاً.
وحين خاطبنا البطريرك صفير كنا نحاول لفته إلى من يستغل موقفه المبدئي الذي يشاركه فيه معظم اللبنانيين: أي السعي لأنظف انتخابات ممكنة في ظل الظروف السائدة.
ولعلنا قصدنا البطريرك لأن أملنا فيه، وفي أن يكون المبادر إلى موقف وطني موحد، أكثر بما لا يقاس من أملنا في أولئك الذين حاولوا وسيحاولون التلطي وراءه لتحوير طبيعة الصراع وهوية أطرافه ونسف الحلم بالديموقراطية من جذوره.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان