أمر مفرح أن تفتح صالات الشرف في مطار بيروت لغير “النافذين” وعائلاتهم و”أصدقائهم” ممن يحظون بنعمة جوازات السفر الممتازة!
وأمر مفرح أكثر أن يستعيد “العرب” لبنانهم، وأن يستعيد لبنان إخوانه العرب ودوره الذي يكبر بهم وينتفي بغيابهم عنه.
وأكيد أن فارس بويز كان يستشعر شيئاً من الزهو وهو ينهمك في توديع ضيفه المغادر وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ليستقبل بعد دقائق من إقلاع طائرته، ضيفه القادم وزير خارجية – سوريا فاروق الشرع في زيارة تتسم – بتوقيتها كما بموضوعاتها – بأهمية استثنائية.
أما اليوم فدور مصر ممثلة بوزير خارجيتها عمرو موسى الذي يجيء بعد طول انتظار وإشكالات نجمت أحياناً عن سوء تقدير وغالباً عن سوء تفسير للحركة الدبلوماسية المصرية الملتبسة.
… وقبل أياً كانت بيروت قد استقبلت “رئيس الدبلوماسية” الفلسطينية فاروق القدومي المثقل بهموم “الوفود” الفلسطينية المفاوضة إضافة إلى هموم الذين “حرموا” من نعمة التفاوض فتربصوا بالنتائج لينطلقوا منها كقيادة بديلة للجميع.
الكل في حركة، والجدل العلني محتدم في مختلف العواصم، وأخطر منه تلك المناقشات أو اللقاءات التي تتم في الغرب المغلقة، أو في الطائرات الخاصة المتوقفة في عمق المدرج بمطار القاهرة، بعيداً عن عيون “الفضوليين”… إذا ما صدقنا بعض الصحف الإسرائيلية في ما نشره عن لقاء تم بإشراف عمرو موسى بين وزير الخارجية الإسرائيلية شيمون بيريز و”قائد الظل” الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن”.
ولأن فاروق الشرع مشهور بدقته الدقيقة حتى في التدقيق فقي دقائق الكلمات، فإن تصريحاته أمس في بيروت يفترض أن تعكس تطوراً سياسياً مهماً في مسار الدور الأميركي في المفاوضات العربية – الإسرائيلية، التي تجري في واشنطن وبرعايتها (بالاشتراك الرمزي مع موسكو المشغولة بهمومها إلى حد انعدام الوزن).
على هذا فوزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر إلى المنطقة مطلع الشهر المقبل لأن موفديه الذين جالوا على الأطراف المتفاوضة (في ما عدا لبنان) قد أبلغوه بأن الاحتمال قائم بإمكان إخراج المفاوضات من الطريق المسدود الذي بلغته مع نهايات الجولة العاشرة…
… وإن المخرج يتوقف على جدية الدور الأميركي، وهي التي كانت قد اهتزت خلال الجولتين السابقتين، ثم لحق بعض العطب بالدور ذاته بعد مشروع إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي الذي رأى فيه الفلسطينيون خاصة والعرب عموماً انحيازاً أميركياً إلى حد التبني للمنطق الإسرائيلي.
إلى أي حد استعاد الدور الأميركي توازنه؟
من قبل أن يجيء الموفدون الأميركيون كان الرأي السائد عربياً أن إدارة كلينتون ليست من التماسك ووضوح الرؤية (والاستقلالية) بحيث تستطيع أن تترجم نواياها الطيبة عملياً.
كان الانطباع إنها تلتزم بما تتعهد به لكنها تعجز عن تنفيذه.
والعجز مرده عدم القدرة على إلزام إسرائيل بما تقرره واشنطن مباشرة أو عبر “الشرعية الدولية”.
ولأنه يصعب تصور حصول “انقلاب” في الموقف الأميركي بالمطلق، فلا بد من الافتراض أن التطور المستجد إنما يتصل بالتعنت الإسرائيلي الذي كان يعطل التقدم على مختلف المسارات… ويهدد الإطار القانوني والسياسي للمفاوضات، أي مؤتمر مدريد.
وكانت مرارة العرب من شحوب الدور الأميركي قد جعلتهم يفترضون أن إدارة كلينتون تتصرف وكأنها أول الخارجين على مؤتمر مدريد، فلا يعجبون من ثم للتهديدات الإسرائيلية بالخروج عليه، مع إيحاءات خبيثة للفلسطينيين بأنه بالإمكان العثور على تسوية ثنائية مباشرة خارج مدريد.
في أي حال فمن قصر النظر الافتراض أن جولة جديدة لكريستوفر ستزيل العقبات التي كادت تسد طريق المفاوضات، خصوصاً وإن العدو الإسرائيلي لم يبدل في مواقفه المعلنة، وإن كانت مناوراته لتفريق العرب واستعداء بعضهم على البعض الآخر تتزايد وتتكثف باستمرار، ومن دون أن ييأس من احتمال النجاح ذات يوم على جبهة ما… وهو قد جرب حتى الآن مع الأطراف الثلاثة المعنية (السوري والفلسطيني واللبناني)، ولن تتوقف تجاربه أبداً.
بالمقابل فمن المستبعد أن يقرر كريستوفر المجيء لمجرد “المحاولة”.
لا بد أن لديه جديداً يعرضه، مؤكداً من خلاله أن “المفاوضات مصلحة قومية أميركية”… وليس شرطاً أن يكون هذا “الجديد” مقبولاً، ولكنه يعكس تنشيطاً للدور الأميركي، ويميزه عن الموقف الإسرائيلي، فلا يظل العربي محاصراً بين مفاوضين إسرائيليين أحدهما بحجم الكيان الصهيوني والثاني بحجم الولايات المتحدة.
لا جود للأميركي “المحايد”، بين العرب وإسرائيل، لاسيما في غياب العربي القومي، لكن الأميركي لا يستطيع أن يفرض تسوية مرفوضة على العرب مهما بلغوا من الضعف.
ثم إن إضعاف النظام العربي أكثر فأكثر ليس من عوامل الاطمئنان الأميركي ولا حتى الإسرائيلي.
ويبدو واضحاً كم هم أساسي الصمود السوري، ومعه الموقف اللبناني، في حماية الحد الأدنى من عوامل القوة في الموقف العربي، خصوصاً وإن هذا الصمود يحد من الآثار المدمرة للتشتت الفلسطيني والانسياق أحياناً وراء الأوهام، ويوفر حماية للذين يقاتلون من أجل استخلاص الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة في أرضهمز
ومرة أخرى، إن المفاوضات نوع آخر من الحرب، ولعلها الأشرس والأكثر صعوبة، ولا بد من التدقيق للتفريق بين المناورة وبين الهجوم الفعلي، وبين التراجع التكتيكي والتقدم الاستراتيجي.
وهذه جولة أخرى، وهي تؤكد القاعدة القائلة بأن المفاوضات الجدية هي التي تجري خارج القاعات المخصصة لذلك الغرض، وغالباً خارج جدول الأعمال الملعن.
ولا بد من انتظار جديد كريستوفر للتثبت من حقيقة ما يتردد الآن من أن الجولة الحادية عشرة ستشهد تقدماً بارزاً يتم تتويجه في الجولة الثانية عشرة التي يفترض أن تنتهي قبل نهاية العام لتفتح الطريق أمام تسوية أميركية جدية للصراع العربي – الإسرائيلي في طوره الراهن.
والوقت العربي مفتوح!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان