لبنان بلا حياة سياسية كم تافه بلا أية قيمة وبلا دور،
لبنان – الحيوية، لبنان – الشارع، لبنان – الجامعة، لبنان – المصرف، لبنان – الجريدة والمطبعة، هو الشارع السياسي العربي،
ليس لبنان هونغ كونغ، ولا يمكن أن يكون،
إن فيه بعض ما في تلك الأرض (والمياه) الصينية الخاضعة للتاج البريطاني والدولار الأميركي ومخابرات الدول جميعاً، ولكنه يمتاز عليها بأنه “مخلوف سياسي”، وبأن دوره السياسي يكمل ويغطي ويبرر وظائفه الأخرى في المنطقة.
وتعطيل الحياة السياسية في لبنان ليس خطراً عليه وحده، وإنما هو خطر على المنطقة العربية التي كانت تعتبره بمثابة الرئة التي تنقي الهواء وتضيف جرعة الأوكسجين الضرورية لانتظام التنفس – ولو صناعياً – وإطالة العمر في انتظار الحل السحري الذي لا بد سيأتي ذات يوم.
وليس معقولاً أن تنعش الحياة السياسية في الصحارى والقفار التي لم تعرف العمل السياسي ولم تألفه ولم تتجذر تقاليده في أرضها، ثم تعطل أو تتعطل الحياة السياسية في البلد الذي تشكل له “السياسة” الهواء وعلة الوجود.
ليس معقولاً أن تكون الديموقراطية مطلباً أميركياً في السعودية، وأن تكون حقوق الإنسان (وحقوق المعارضة السياسية الداخلية) مطلباً أميركياً في الكويت، ثم تعتبر السياسة في لبنان رجساً من عمل الشيطان أو آفة من إفرازات الحرب الأهلية أو ثمرة محرمة من إنتاج العدو وقد دسها على هذا البلد الأمين… لتخريبه!
إن الأحزاب السياسية والحركة النقابية والتنظيمات الشعبية ضرورة وشرط حياة لبلد تتنكر فيه الطوائف في زي الطبقات، وتموه الأيديولوجيات نفسها بشعارات طائفية (فيصبح الحرمان شيعياً والخوف مارونياً والصراع الاجتماعي قابلاً للتحول إلى حرب أهلية بين الفقراء في الطائفتين، مثلاً، ولحساب الأغنياء في الطائفتين).
ومؤسسة الحكم في لبنان تضم بالتكوين معارضيتها، و”الرئيس” يستولد غالباً خلفه من بين خصومه – الشركاء في حكومته أو في المعارضة المنضبطة ضمن ثوابت النظام.
اليوم يبدو الحكم في أضعف حالاته (برغم قوته الظاهرية) لأن معارضيه مجموعة من الأشباح.
الحكم الذي لا يعارضه أحد هو حكم اللا أحد.
والحكم الذي لا يمكن لمعارضيه أن يتجسدوا بشراً سوياً وتنظيمات وتيارات وأحزاباً ذات برامج وأهداف واضحة، سرعان ما يكتسب ملامح الحكم المفروض في حين تهاجر الديموقراطية إلى عند معارضيه… المجهولين.
المعارضة هذه الأيام شعارات تكتب ليلاً على الحيطان، أو زمامير سيارات تستغل عتمة النفق عند نهر الكلب لتصرخ برفض الواقع القائم، أو تصريحات بالفاكس والتلكس والتليبرنتر تأتي من باريس،
وهي في أحيان أخرى تتخذ أشكالاً أكثر عدائية كما حصل في ملعب الصفا خلال مباراة “الأنصار” مع فريق فتوة دير الزور،
وفي الشكل فإن معظم الأحزاب السياسية في لبنان تشارك في الحكم،
لكن مشاركتها عطلت دورها في الشارع دون أن تضيف إلى الحكم الشعبية التي يحتاجها، أو البرنامج السياسي الذي يفتقر إليه، إلى جانب اتفاق الطائف الخالد وتطبيقاً لمقولاته المقدسة.
والفراغ في الشارع مخيف، خصوصاً وإن “أشباح” معارضيه (من ميشال عون إلى ريمون إده مروراً بأمين الجميل وبعض من حرموا المشاركة في صفقات الجمهورية الثانية) هي وحدها المؤهلة لملء هذا الفراغ.
والفراغ في الشارع يجعل الحكم يسبح في الفراغ ويعطل قدرته على الإنجاز، أو يجعل إنجازه هباء منثوراً ينسب الفضل فيه لغيره ويحصر به وحده “شرف” القصور أو التقصير.
إن “المصالحة الوطنية” لا تفرض أبداً غياب أو تغييب المعارضة أو تعطيل العمل السياسي والحزبي…
بل إن هذا التغييب أو التعطيل قد يكون مؤامرة على المصالحة ومن ثم على الحل، أي على السلام الوطني.
فمن يعيد الروح إلى العمل الحزبي والسياسي في لبنان؟
من يعيد الوعي إلى الحكم؟
من يبدأ الخطوة الأولى فيعلق الجرس في عنق القط؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان