لا يحق للبنان، ولا هو يستطيع أن ييأس من العرب، واغنيائهم على وجه الخصوص، وأن يقطع الأمل من إمكان أن يستفيقوا ذات صباح إلى ضرورة أن يمدوا إليه يد المساعدة!
وليس من حق هؤلاء الحكام العرب الذين ينثرون ذهبهم وفضتهم بالمليارات فوق رؤوس الأميركيين والأوروبيين والأتراك والأفغان والنيكاراغويين، حتى لا ننسى “الكونترا” والنجدة السعودية السخية لها، ثم يضنوا على أشقائهم وذوي أرحامهم بالنزر القليل من الخير الكثير يساعدهم على الخروج من محنتهم،
…سيما وإن هؤلاء الحكام كانوا أسخياء جداً على الفتنة وأهلها والمنتفعين بها، وعلى الضفتين “الشرقية” و”الغربية”،
لقد تكارموا وأكثر مما يجب على القيادات والتنظيمات والميليشيات التقسيمية والطائفية والمذهبية،
… وغالباً ما “ساعدوا” في الوقت عينه أطراف الصراع بل الاقتتال جميعاُ، بالمال أو بالحماية السياسية أو بالدعم الدبلوماسي فسهلوا لبعضهم الاتصال بـ “الدول” وطلبوا إليها فلبت وأسبغت عليهم الرعاية وأشركتهم في الحل ومكنتهم من الفوز بموقع ممتاز في حكم “الجمهورية الثانية”،
من حق هذه “الجمهورية” البائسة أن تحظى من هؤلاء الحكام، وبالذات السعوديين منهم، بحقوق أية “قبيلة” من “قبائلهم” ، خصوصاً وإنهم قد منحوها لأكثر من “زعيم” لبناني، تارة باسم الطائفة، وتارة تحت عنوان الحليف السياسي وطوراً تحت لافتة الدين الحنيف.
ألا تستحق الدولة الواحدة الموحدة الموحدة في لبنان مثل مجموع ما ناله الذين قاتلوا مشروعها، بالمال أو بالسلاح؟!
ألا يستحق الجيش بعض الرعاية التي تمتعت بها ميليشيات معينة، بذريعة أنها قد نابت منابه أثناء غيابه فحمت “جماعاتها” أو “مناطقها” ثم أسهمت في دعم مشروع الحل حين تقرر أن تكون السعودية بالذات دار توليده؟!
ألا تستحق جمهورية اتفاق الطائف ما يقيم أودها فلا يتركها متسولة على أبواب الدول “الأجنبية”، أو يضطرها لأن ترهن مستقبلها للمصارف وصناديق النقد الدولية وكبار المرابين والسماسرة من محليين و”أغراب”؟!
ثم إن السعودية قد أخذت من اللبنانيين الكثير الكثير، وأكثر مما تستحق، وفي السياسة، أفلا ترد عليهم التحية بمثلها إن لم يكن بأحسن منها؟!
لقد اضطرت الحرب الأهلية، التي لم تكن السعودية غائبة عنها، المملكة لأن تقفل سفارتها في بيروت،
لكنها أخذت في حكم جمهورية الطائف حصة كبرى، بداية، ثم زيدت هذه الحصة حتى كادت تتجاوز “المناصفة”، أو “المثالثة داخل المناصفة” بالتعابير اللبنانية،
برغم ذلك فإن السعودية لم تبدل ولم تغير حرفاً في قرار معاقبة لبنان واللبنانيين لأن بعضهم أو بعض من فيه قد اعتدى على سفارتها في بيروت… علماً بأن معظم بيروت قد دمر، وإن ثلث اللبنانيين قد غدا مهجراً بينما الثلث الثاني هاجر إلى ما وراء البحار، والثلث الثالث ما زال يتطلع إلى حكام الدول الغنية آملاً أن يمنحوه تأشيرة دخول، أو أن يسمحوا لإنتاجه الزراعي والصناعي بأن يباع فيها، وأن يعودوا إلى اعتماده مصيفاً ومصرفاً ودار نقابة، حتى لا نقول مكتبة ومستشفى وصحيفة الصباح.
ومن حق اللبنانيين أن يتساءلوا في ظل هذا الشح الصارم، هل تؤخر المساعدات بقرار واع في انتظار الصلح مع إسرائيل، فتأتي من بعده لتزينه وتجمله وتصوره “وكأنه المنقذ وباب الخلاص ليس فقط بالمعنى العام، بل وأيضاً بالمعنى “الوطني” أو المحلي؟!
وهل يعقل أن يصل الأمر بالمسؤولين اللبنانيين إلى حد توسيط بعض المراجع الدولية لدى السعوديين لكي يتنبهوا إلى ضرورة مساعدة لبنان – جمهورية الطائف والحكم الذي تسنم سدته أخيراً أحد مهندسي ذلك المؤتمر والمروجين للحل الذي أخرج فيه وعبره؟!
ومن حق اللبنانيين أن يتساءلوا أيضاً: هل قبض اليد هو تنفيذ لعقوبة مقررة على سوريا (في لبنان)، أم على لبنان الذي ارتضى هذا النمط من “العلاقات المميزة” مع سوريا وأعطاها بالتالي – ولم يكن له خيار آخر –الحق في لعب الدور الحاسم لإنهاء تمرد ميشال عون وتمكين جمهورية الطائف من الوقوف على قدميها؟!
لقد تهاوت إمبراطوريات، واندثرت عقائد وأيديولوجيات كانت تخافها السعودية وتقاتلها، وزالت دول من الوجود، وقامت دول أخرى، وخرج من لبنان من خرج وعاد إليه من عاد، وأنهيت الحرب فيه، ولبس رجال الميليشيات ثياب رجال الدولة وعدلوا في خطابهم السياسي بحيث بات – تقريباً – نقيض خطابهم “الأصلي”،
برغم ذلك كله، وبرغم تهالك “خصوم” السعودية السياسيين في لبنان، وبرغم تزاحم رجال الحكم والنافذين وبعض “خصومها” السابقين على بابها، فإن السعودية ما تزال تلقي الحرم على هذا البلد المهيض الجناح،
وإذا كان اللبنانيون لا يطمعون في أن يرجع إليهم رئيس الجمهورية غدا بأكياس الذهب والفضة، فإنهم يأملون في أن يعود بجواب أو أجوبة تفسر لهم هذا الموقف الغريب – العجيب الذي يطاردهم بالعقوبة ويضيق عليهم في رزقهم، بينما تتقدم المفاوضات المتعددة التي اصطنعت لتممكين العدو الإسرائيلي من المشاركة في الاستمتاع بالخيرات العربية التي تمنع عن العرب.
للمناسبة: هل تستخدم المساعدات العتيدة سلاحاً إضافياً للضغط على لبنان (وسوريا) من أجل المشاركة في هذه المفاوضات التي تعطي إسرائيل فوق كل ما أخذته، من قبل أن يتبين ما إذا كانت ستعطي شيئاً، أي شيء، للعرب عموماً وللفلسطينيين منهم خصوصاً، ومتى وكيف وأين؟!
وأخيراً: ألا يجوز أن يتمثل الدعم السعودي لمطلب لبنان في تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425، في شيء من المساعدة لدعم صمود الجنوب والدولة وجيشها في انتظار أن تتمكن المملكة من الوفاء بالتزامها بالعمل على تنفيذ ذلك القرار المرصود؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان