هل تقود مفاوضات “السلام” وإنهاء حالة الحرب مع “العدو” الإسرائيلي إلى تفجر سلسلة لا تنتهي من الحروب الأهلية العربية؟1
إن لهذا السؤال المغلق مشروعية تتعاظم يومياً مع انتقال التفاوض مع العدو من “احتمال” إلى واقع بارد يرسم ظلالاً قائمة حول مستقبل العلاقات بين العرب.
فكائنة ما كانت نتائج المفاوضات، فإن كل طرف عربي يشارك، بالاضطرار أو بالإكراه أو بالرغبة، سيخرج منها بضغينة على بعض “أخوانه” العرب أو على معظمهم… وسيحاول كل طرف أن يبرر أمام شعبه “تنازله” أو تسليمه باتفاق الاذعان مع العدو بأنه نتيجة منطقية للتخلي العربي عنه، أو الانحياز بعض العرب إلى العدو، ولو متسترين بولائهم لقيادة الولايات المتحدة الأميركية ونظامها العالمي الجديد.
لقد أغرى “الصديق” الأميركي بعض العرب بأن يلعبوا دور المدجن للبعض الآخر من العرب، واستغل الإسرائيلي هذا الوضع لتوظيف الموقف العربي “المستجد” من أجل تدجين الفلسطينيين، تمهيداً لأن يعود فيلعبها معكوسة باستخدام الموقف الفلسطيني الجديد لتدجين سائر العرب الذين قد يصمدون بعد ذلك لكل هذه الضغوط تأتيهم من الداخل والخارج.
وفي داكار، مثلاً، كانت الصورة فاقعة: فالسعودية ومعها الكويت وبعض الخليجيين الآخرين رفضوا “توبة” الفلسطيني، وامتنعوا عن “مصالحته” وغفران خطيئة مجاراته لصدام حسين، كما استنكفوا عن مصالحة الملك حسين الذي ذهب لهذا الغرض فلما خاب فاله اكتفى بالسلام على الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
هذا بينما الإسرائيلي في واشنطن يرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطيني كطرف مستقل، ويصر على التعامل معه عبر الأردن وبوصفه “تابعاً” له أو ملحقاً به.
وفي واشنطن أيضاً يلوّح الإسرائيلي برشوة للبناني لعله يفسخه عن السوري، ويطيل في المماطلة مع السوري ليظهر الفلسطيني وكأنه بلا نصير من أخوانه، ولا رجاء له ولا مناص من الالتحاق بالأردني وبالشروط الإسرائيلية في ظل الرعاية الأميركية… (السوفياتية!!)
وبغض النظر عن مدى تأثير هذه المناورات الإسرائيلية (والأميركية) على جوهر الموقف اللبناني ومن ثم السوري، وعمق التزام هذين الطرفين بالحق الفلسطيني، فالخوف يبقى مشروعاً من أن تكون المفاوضات مع العدو مدخلاً لخصام مع الذات.
وذكريات كامب ديفيد ما تزال طرية، فالمحاسبة تمت على التفرد فيها بقدر ما تمت على مضمون تلك المعاهدة البائسة.
إن الشقاق العربي قابل للتحول إلى حرب أهلية داخل كل قطر، وإلى حروب عربية – عربية بين من سيعتبر نفسه منتصراً بدم أخيه وعلى حسابه، وبين من سيرى إنه إنما ذبح بيد أخيه ولحساب العدو.
وذروة الهزيمة هي التدجين “القومي” المتبادل!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان