الحمد لله الذي لا يحمد على مكوره سواه،
الحمد لله الذي أنعم علينا بتبييض السجل العدلي لجميع المخططين والمنفذين والمشاركين في الحرب الأهلية،
والحمد لله الذي أعاد إلينا أبناءنا الخطاة في مثل براءة الملائكة.
وقبل قانون العفو لم يكن بيننا بريء،
وها نحن بعده ليس بيننا خاطئ، لا فضل لمسالم على ميليشياوي، ولا لمحايد على منحاز، ولا لعلماني على طائفي، ولا لأصولي على مذهبي إلا… بالشطارة وطول الباع!
والحمد لله إن دولة الطائف أو الجمهورية الثانية تتألف من حشود من الاطهار البررة السليمة طويتهم المطهرة ذممهم المالية، الناصعة البياض أكفهم، العطرة سمعتهم، والذين “لا يأتيهم الباطل من خلفهم إلا من قدامهم”.
سويسرا الشرق؟!
فشرت سويسرا!
حتى في سويسرا ثمة مطلوبون للعدالة، أو مجرمون يمضون فترة العقاب في السجون (المكيفة)، أو أقله متهمون بجنايات أو جنح قد تختلف درجة خطورتها ولكنها تبقيهم موضوع المساءلةز
أما في لبنان فلا قتلة ولا جناة ولا متهمون بالشروع في القتل، لا لصوص “حكوميون” ولا مختلسون ولا من أساء أو يمكن أن يسيء الائتمان، لا مهرب ولا نصاب ولا متهرب من الضرائب ولا مبذر ولا متلف، ولا من “ضيع” أموال الغير من المودعين في مصرفه، فإذا ضاعت فهي “نازلة” من نوازل الدهر مثل القضاء والقدر والمسؤولية فيها على مصرف لبنان الذي لم يسلفه المزيد من المال العام ليضمه إلى ما نهبه من المال الخاص،
والحمد لله، أساساً على إننا أكثر اطمئناناً الآن إلى نزاهة حكامنا وكبرائنا ووزرائنا ونوابنا وقادتنا وعلى العموم “أشراف بلادنا” والوجهاء الذين يتصدرون صفحات الصحف وشاشات التلفزيون وموجات الاذاعات كلها “أ. إم. واف ام” الخ.
بقي أن يصدق حضراتهم إنهم أبرياء، وأن يستعيدوا حياتهم الأولى فيتحرروا من المواكب المسلحة ويحرروا الشوارع المغتصبة والمسدودة في وجه الخلق، كأنما الناس هم مصدر الخطر على … صناع الخطر!
وبقي أن يتقدم منا السيد شولتس معتذراً إذ هو قد وصف عاصمتنا ذات يوم بأنها مصدر وباء الطاعون،
وبقي أن تصدق السفارات صك البراءة الشامل الذي “منحناه” لقياداتنا بطيب خاطر، فتتكرم على مواطننا البائس بتأشيرة، ولا تذبه عن باب القناصل وكأنه “فيروس” قد يرميهم بالمرض الذي لا شفاء منه.
وعلينا جميعاً أن نذكر هذه المأثرة الجديدة للعماد ميشال عون،
فبفضله تحققت هذه النعمة واستعاد الجميع براءتهم وكتبت لهم أعمار جديدة وتوفرت أمامهم فرص جديدة للكسب “المشروع” الآن بعدما نضبت مصادر الكسب “غير المشروع” لشدة ما استنزفوها.
وليس مستغرباً أن يتقدم بعض من يتحلى بمكارم الأخلاق من حكامنا باقتراح نصب تمثال من ذهب للجنرال الذي خسر أمام جميع خصومه ومنحهم فرصة تحقيق انتصارات لم يكونوا ليحلموا بها.
لقد قدم الحكم لبعضهم على طبق من فضة.
وقدم الثروة للبعض الآخر على طبق من بلاتين،
وقدم مجد البطولة لبعض ثالث على سبطانة مدفع،
ولو انتظم المنتفعون من حماقات جنرال العتم في طابور لامتد من واشنطن إلى ساحة النجمة،
… هذا في حين راحت على الجمهور الساذج الذي صدق “هوبرات” الجنرال، وأمن “بنظافته” التي لا يرقى إليها الشك (والشك غير الشيك الذي يرقى إليه ويستقر في الحسابات المفتوحة باسمه أو باسم السيدة زوجته، أو باسم أي من شريكيه في حكومة النص كم)…
وطريفة هي مفارقة أن يمنح المنتفعون من حماقات ميشال عون هذا الضابط المهووس عفوهم المشروط، لكي يرحل فيستمتع “بتحويشة العمر” في فرنسا أو أي “خارج” آخر (مع كثير من الحسد، إذ أنه حقق في ظرف سنتين فائص قيمة يزيد على خمسين مليون دولار في أبسط التقديرات).
من يعفو عن من؟!
من البريء ومن المدان؟! من القاضي ومن المتهم وأين ممثل الحق العام؟!
الأسئلة كثيرة، لكن العفو مشروط، والمحكمة ما تزال منعقدة، والشرطة تجد في طلب أصحاب الأسئلة غير البريئة لكي تجتث شافتهم،
فلبنان الجمهورية الثانية هو بلد الأبرياء، حتى وإن ظلت البراءة تتبرأ منه ومنهم!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان