زمن الشقاء مرشح لأن يطول في اليمن،
فمن قبل أن ينعم اليمنيون بالدخل المحدود من نفطهم سيكون عليهم نسيانه لسنوات طويلة، علَّ “دولاراته” المرتقبة تعوّض خسائر الحرب ضد الانفاصليين التي دمرت الكثير من المرافق والتهمت معظم الإمكانات المتاحة، اقتصادياً وعسكرياً،
الفاتورة ثقيلة بالتأكيد، والمؤسف أنها قد هدرت للقضاء على الانفصال بدل أن توظف لتدعيم الوحدة وتعزيزها كعامل حاسم في تطور اليمن واستقرار أوضاعه وفتح طريق الرخاء أمام شعبه المقهور منذ دهور، بالتخلف الذي فرضه عليه نظام الإمامة، ثم بالحصار الذي فرضته عليه “جارته” الملكية بعد انتصار الثورة فيه وإقامة الجمهورية مع بداية خريف 1962، والمستمر حتى اليوم، بل لعله اليوم أشد وأقسى.
ولا شك أن السعودية (ومن معها) قد تكبدت في هذه الحرب التي كان يمكن تفاديها، مثل ما تكبدت اليمن، وربما أكثر. فعلي عبد الله صالح ومعه الأكثرية الساحقة من اليمنيين، شعباً وجيشاً، كانوا يقاتلون لأنفسهم، أما الذين قاتلوا من أجل الانفصال فإنما كانوا يعملون لغيرهم، وبالأجر، وإن اتخذ هذا الأجر شكل طائرات ودبابات ومدافع وذخيرة ورواتب وصفقات وعمولات وشراء مناصرين. وكل ذلك قد دفع بالريال السعودي، على الأرجح.
الطريف أن المملكة تأخذ على الرئيس اليمني أنه قد استخدم القوة لحماية وحدة بلاده، أي لتصحيح الخطأ التاريخي الناجم عن الهيمنة الاستعمارية، وهي وحدة قد تأكدت، في أي حال، باستفتاء شعبي مشهود، أنهى وضعاً شاذاً ومخالفاً للطبيعة ولمصالح اليمنيين.
لكأنما عبد العزيز آل سعود قد وحّد القبائل وأنهى الحكام السابقين للحجاز وسائر أنحاء المملكة التي يتربع على عرشها أبناؤه الآن، بالدعوات الصالحات والصلوات والمواعظ وتبشير “المطاوعة” القائم على “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
أليس بين مفاخر الأسرة الحاكمة في مملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض أنها هي التي وحدت هذه “القارة” المنداحة على مساحة هائلة، وأنها قد أخضعت الأعراب والبدو والقبائل بالسيف فأقامت دولة مركزية منيعة؟!
أليس باسم ذلك الحق فرضت الأسرة اسمها على الأرض التي أنجبت الرسول العربي محمد بن عبد الله وآله وصحبه من رجال الفتح الذين وصلوا بالدين الحنيف على أربع رياح الأرض، ثم قضوا ولا دول بأسمائهم أو حتى أحياء في مدن؟!
… وحتى مَن يعارض الأسرة السعودية وطريقتها في ممارسة السلطة ليس موضوع اعتراضه كيفية توحيد المملكة بل دور أهلها فيها ومسلك النظام ومدى اعترافه بالشعب وحقوقه الطبيعية.
المهم: لمصلحة منم تكون الوحدة، وفي خدمة مَن، وإلى أي ححد تكون عامل منعة واستقرار ورفاه وتقدم، وهل يكون حاكمها جلاداً ومحتكراً للثروة، أو تكون دولتها مؤسسة تحقق لشعبها مطامحه المشروعة في اصطناع الغد الأفضل، ويكون الحكم فيها بالانتحاب لا بالقهر، يتداوله الناس ولا يحتكره نفر منهم لأي سبب كان.
والامتحان الحقيقي لعلي عبد الله صالح وصحبه يبدأ الآن،
فهل تراه قادراً على تطوير نفسه ونظامه بحيث يكون في مستوى حاجات اليمنيين، فكيف بطموحاتهم؟!
وهل تراه يثبت أن الوحدة الطبيعية تنجز أكثر مما أنجزته الوحدة بالسيف التي كان “جيرانه” من الأخوة – الأعداء روادها حتى هزيمة “أصدقائهم” الانفصاليين في جنوب اليمن؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان