الفصاحة لا تملأ المعدة الخالية، والتبريرات مهما جاءت منمنمة ومتحذلقة لا يمكن تحويلها إلى “دولارات”، والمواعظ والتحسر على ما لم يتم تنفيذه من تعهدات أهل الطائف ورعاته لا تنفع في علاج مريض يعجزه الفقر عن شراء الدواء الذي يحمي حياته.
ولسوف تقول الحكومة الواثقة من بقائها مهما ارتكبت، أو مهما قصرت، الكثير بعد يومين… ولقد يكون كلامها بمجمله واقعياً وهو يصف بلهجة درامية كيف خذل أهل الطائف، وحماة أهل الطائف، وأصدقاء أهل الطائف وصولاً إلى اليابان، قضية “الوفاق الوطني” في لبنان ولم يساعدوا على تحصينه بصندوق الدعم الموعود،
ولسوف يقول النواب العارفون أن الكلام هو أمضى سلاح يملكونه، مع وعيهم بأنه لن يغير شيئاً وإن كان سيريح ضمائرهم المتعبة،
لكن إحسان المواطن بالكارثة لن يزول، بل لعله سيتفاقم بعد سماع المراثي لليرة والبنية التحتية ولخطة إعادة الإعمار ولعدم تناسب الإنفاق مع الإنتاج أو المردود.
ما يتمناه هذا الوطن هو ألا تؤدي معارك الفصاحة والبلاغة والتشاطر في رمي المسؤولية على الآخرين، إلى مزيد من الزيادة في أسعار قوت يومه، وإلى مزيد من التراجع في سعر صرف الدولار على الليرة.
سلفاً يعرف المواطن أن لا حلول ولا إمكان لابتداع حلول.
تماماً كما يعرف أن عدم استقرار قيمة نقده الوطني قد ذهب بحوالى الثلث من قدرته الشرائية.
ثم إنه يعرف أن أهل الطائف قد كبدوه خسائر جدية، فهم لم يمتنعوا فقط عن مساعدته، بل جاؤوا فدخلوا السوق مضاربين في العقار وعلى الدولار، وزاحموه على سندات الخزينة كوسيلة للمضاربة.
وبين روايات الأمس أن “جماعة” معروفة هي التي تسببت في رفع سعر الدولار، قبيل إقفال السوق، حين دخلت فاشترت مليون دولار من بعض المصارف، دفعة واحدة،
كذلك فالمواطن يعرف أن الدولة لا تستطيع أن تعود إلى دعم مواد التموين الأساسية، كالخبز والقمح والمحروقات… بل إن ثمة من يحاول إغراءها ببيع بعض القطاعات المنتجة التي ما تزال في يدها كالهاتف والكهرباء والواردات الجمركية والضرائب!
غير أن المواطن يعرف أيضاً أن هذه الحكومة قد أعطت الموظف، وبدعوة الإنصاف وهي محقة، أكثر مما يستحق، وإن “أكياس الفروقات” قد هبطت بملايينها من حالق على من لم يطلبوها، فزادت من العجز عن مواجهة النتائج.
ثم إنها قد أكملت جميلها ففرضت في القطاع الخاص زيادة تتجاوز مؤشر الأسعار، تداركاً للخطأ الفادح في الزيادة التي نفحت للقطاع العام، مما يهدد العديد من المؤسسات بالتوقف أو يضطرها إلى صرف بعض موظفيها مما يرفع عدد العاطلين عن العمل، وهم زهرة شباب اللبنانيين،
ويعرف أيضاً ما يقوله الرؤساء في بعضهم، وما يقولونه مجتمعين ومتفرقين في الوزراء، والعكس بالعكس، وهذه الأقوال تذهب بالثقة في زوجة القيصر ذاتها فكيف بهؤلاء الذي بيوتهم من زجاج، وأحاديث صفقاتهم على كل شفة ولسان؟!
إذن لماذا المناقشة والتهويل بها والرد الأعظم تهويلاً بطرح الثقة؟!
مهما بلغت فصاحة الحكومة فلن تستطيع استعادة ثقة مواطن واحد يتناقض دخله، وبالتالي قدرته على مواجهة أعباء حياته، مع مطلع كل شمس،
ومهما بلغت الفصاحة المضادة عند النواب فهم لن يستطيعوا، بدورهم، إقناعه إنهم البديل الصالح، وإنهم يملكون ما ينقص الحكومة من رؤيا وبرنامج واضح ومحدد وعلمي وعملي وقدرة على الإنجاز.
إذن ستكون جلسة حكي بحكي، أما الهم فيبقى ثقيلاً، وأما الثقة فتبقى معلقة بالطرفين المتناغشين، واللذين سيتبادلان صكوك البراءة تاركين الاتهامات جميعاً موجهة “ضد مجهول”، قد يكون الشعب، وقد يكون الوطن، وقد يكون اتفاق الطائف، وقد تكون الولايات المتحدة الأميركية، وقد تكون إسرائيل.
إنه منظر كاريكاتوري، كل منهما ينادي: “هل من مبارز، هل من مناجز” فإذا تصدى له الآخر انعطف عليه فتكاتف معه ثم قالا بصوت واحد: “صرنا اثنين، هل من مبارز، هل من مناجز”؟!
… وهما يملكان مثل هذا الترف وأكثر، طالما إنهما قاعدان، بمعزل عن الثقة، وطالما أن “الشعب” غائب في غياهب عوزه وحاجته وقد “هرب” ثقته أو أخفاها في مكان حريز حتى يجيء اليوم الذي يستطيع فيه أن يقول رأيه الصريح بأهل الفصاحة جميعاً.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان