نجح الغرب، بتحريض من إسرائيل وتحت لوائها، في جعل “الإسلام” بعبعاً مخيفاً وعدواً موهوماً للعرب وسائر المسلمين وليس لغيرهم!
والاشتباك الهائل الدائر الآن على امتداد رقعة العالم الإسلامي، وانطلاقاً من الأرض العربية، هو بين المسلمين والمسلمين، وبين حركات إسلامية وحركات إسلامية أخرى، وبين العرب والمسلمين، أو بين العروبة والإسلام وبالتالي بين العرب والعرب على أرض الإسلام.
لكأنما صار الدين الواحد أدياناً شتى محتربة ومقتتلة بأعنف مما شجر بين الدين الإسلامي والأديان الأخرى من صدامات دموية وحروب!
فالجزائري المسلم لا يقتل إلا المسلم الجزائري، والمسلم المصري لا يقتل إلا المصري المسلم، والمسلم السوداني لا يقتل إلا السوداني المسلم، والسعودي المسلم لا يعتقل (ولا يقتل إن قتل) إلا المسلم السعودي، والمسلم اليمني لا يقتل (متى واتته فرصة القتل) إلا اليمني المسلم،
هذا قبل الوصول إلى أفغانستان وباكستان وبنغلادش ، ومن دون التعرض إلى ما جرى ويجري في إيران التي أرادت بالثورة أن تكون “دار الإسلام” فكادت الحروب بين المسلمين التي يرعاها الغرب وتغذيها إسرائيل تحولها إلى طرف أساسي، فعلي أو وهمي، في كل اقتتال بين المسلمين من كابول إلى البوسنة والهرسك وأطراف آسيا الوسطى،
… وقبل التعرض إلى ما تشهده تركيا من حرب إبادة تشنها القوات المسلحة التركية (وليس فيها إلا مسلمون) على المسلمين من الأكراد الذين أنكرت عليهم هويتهم القومية ولم يشفع لهم إسلامهم فاعتبروا “أتراك الجبال”.
لكأننا أمام “فتنة كبرى” جديدة، بل فتن كبرى تكاد تغطي ديار المسلمين جميعاً، وسط غياب مطلق لأية مرجعية شرعية أو قيادة سياسية أو هيئة اعتبارية لها السلطة المعنوية والقدرة المادية على وقف التذابح بين المسلمين والتشويه المنهجي للدين الحنيف وصلاحيته لابتناء المجتمعات وتطوير إنسانها بما يؤهله لاقتحام العصر.
الأخطر إن هذه “الفتنة الكبرى” تفجر في لحظة تاريخية حاسمة بحيث يغطي دخانها التحولات وتبرر دمويتها التراجعات والانحرافات والتنازلات التي قد تحكم على العرب خاصة والمسلمين عامة بالتبعية المطلقة، ثقافياً وفكرياً واقتصادياً ومن ثم سياسياً، لأعدائهم الفعليين، سواء على المستوى القومي أم على المستوى الديني.
إن “الفتنة الكبرى” المستعرة نيرانها الآن تسهل تمرير كل اتفاقات الصلح المنفرد المؤدية إلى الانهيار الجماعي، عربياً، وإسلامياً، أمام إسرائيل.
ومن المستحيل الفصل بين هذه الجعجعة المدوية عن خطر الإسلام على الحضارة الغربية، وبين المحاولة المستميتة التي تبذلها الأنظمة الإسلامية (لاسيما العربية منها) للتبرؤ من “الإسلاميين” و”المفهوم الإرهابي” للإسلام كما يقدمه بعض هؤلاء وكما يروج له ويعمم صورته الغرب كله، بقيادة إسرائيل.
إن أخطر التنازلات يقدمها حملة أشرف الألقاب ذات الرنين الديني: من أمير المؤمنين في المغرب، إلى الأسرة الهاشمية في الأردن، إلى ياسر عرفات الذي كان يخاطب الإمام الراحل الخميني بتسمية عائلية “ابن عمي”، منطلقاً من كونه ينتسب إلى الحسينيين،
يضاف إلى هؤلاء حكام الخليج الذين كانوا يحاولون الإيحاء دائماً أنهم “ميني خلفاء”، يأخذون البيعة على سنة الله ورسوله والخلفاء الراشدين ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعملون لنصرة دين الله!
.. ومن هو من خارج “العزة الشريفة” قدم نفسه إلى الناس كخادم للدين الحق وعتباته المقدسة، أو استذكر اسم “محمد” فإضافة إلى اسمه أو اتخذ لنفسه لقباً خادعاً ومدغدغاً للحس الديني عند الناس كما السادات و”الرئيس المؤمن”!
وذروة الخديعة الإيحاء بأن من رفض الصلح مع إسرائيل هو “ملحد” أو “كافر” (جمال عبد الناصر) في حين أن بطل “الزيارة” و”الصلح المنفرد” والتطبيع ومعاهدة كامب ديفيد هو المسلم الحنيف!
الآن يقتتل إسلاميو السلطة وإسلاميو المعارضة ويدمرون ديار الإسلام ويشوهون الدين وينفرون منه أتباعه، بينما موكب الاستسلام أمام إسرائيل يتعاظم وينضم إليه كل شهر “باصم” جديد يفرح باعتماده ومنحه صك الغفران عبر الصورة التي باتت “موسمية” و”تقليدية”: مصافحة ودية مع إسحق رابين أو شيمون بيريز ويد كلينتون أو كريستوفر “فوق أيديهم”!!
يقتتل الإسلاميون والإسلاميون فتذهب ريح العروبة ويتهاوى صرح الإسلام، وتستكمل إسرائيل شروط هيمنتها على ديار العرب والمسلمين معاً، وتلتفت إلى الغرب مزهوة: من خلق البعبع قتله وأراح منه العالم!
أما من صحوة؟!
أما من هدنة؟!
أما من سلام… إلا مع العدو المبين؟!
للأخوة السيف، وللأعداء غصن الزيتون ومنابع النفط والتجارة والصناعة والأسواق واليد العاملة الرخيصة مع الدعوات الصالحات؟!
والكلام موجه إلى “المعارضين” الذين يتصرفون وكأنهم يريدون إكمال ما بدأه الحكام وليس “نقض الناموس”؟!
أما من فرصة للنقاش، للمراجعة، للاستدراك بحيث لا نقتل الدين خنقاً بحجة أننا نحاول حمايته من أعدائه؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان