بقدر ما يفتقد لبنان واللبنانيون أخوتهم العرب وينتظرون عودتهم إليه وإليهم، يتطلع العرب عموماً، وبنفاد صبر، إلى عودة “لبنانهم” لكي يطمئنوا على استرجاع الملاذ والمصيف والنادي السياسي والمركز الاقتصادي والتجاري والمالي.
لا بديل عن لبنان ولا غنى عنه،
الوجه الآخر للصورة: لا بديل للبنان من العرب ولا غنى عنهم، قيمته منهم ودوره بينهم وبهم ولهم وباسمهم إلى العالم.
وفي دنيا العرب لا مجال للبنان آخر، حتى لو تم تعميم سياسة “الانفتاح” واقتصاد السوق والديموقراطية بالمفهوم الغربي السائد، أي تعدد الأحزاب والصحف والالتزام “بحقوق الإنسان” – الطبعة الأميركية!
والمحنة التي يعيشها العرب تزيد من حاجتهم إلى لبنان ولا تنقص منها، فهو “الوطن الإضافي” لمن ضاق به وطنه أو ضاق هو بوطنه (ومصدر الضيق في الحالين الحاكم وما يفرضه على الطرفين)، وهو بديل من الغرب لمن يريد أن يعيش في “غرب عربي” من دون أن يتجشم عناء السفر والاضطهاد العنصري.
وهذا “الغرب العربي” أو “العربي المستغرب” هو الذي تؤكد عليه “الجمهورية الثانية” ويقول قادتها إنهم بصدد تثبيته وإعادة الاعتبار إلى ما اهتز من صورته عبر الحرب الأهلية بأطوارها المتعددة والمختلفة.
… وهو أيضاً ما جاء ليستوثق من استمراره وتوطد أركانه هذا الرهط من رجال المال والأعمال العرب، خلال الصيف، وبذرائع مختلفة يختلط فيها الشخصي بالعام، وما هو بصدده الآن أركان الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية.
“يا عودة الحبايب”…
لكن الشوق المتبادل الذي عبر عنه “الوفد” و”المقيم” ما زال ينتظر الترجمة العملية، وهي خلاصة مجهود مشترك يفترض أن يسهم به الجميع.
من الرؤساء إلى الوزراء إلى أصحاب الراي إلى المواطن العادي الذي كان يخص كل من يرتدي “الزي العربي” بلفتة ترحيب، وانتهاء بموظفي الاستقبال والخدمة في المقاهي والمطاعم والفنادق الذين تجددت حيويتهم وانفرجت أساريرهم واستعادوا الكثير من لياقتهم وحماستهم للعمل، كانوا يحاولون التعبير عن فرحتهم بوصل ما انقطع بين لبنان وبين أخوته الذين يتلاقون الآن والكل منهك مثقل بمرارة التجارب التي عاشها والتي ستسحب آثارها الموجعة عليه لزمن طويل.
أما “الوافدون” فقد كان الأصدق تعبيرأً عما يجيش في صدورهم بدر الدين الشلاح الذي يستخفه الطرب وتهزه عفويته وصدقه في التعبير عما يحسه فيستعيد حيوية شبابه القديم وينطلق لسانه فصيحاً وهو يستذكر فيذكرباللغة المنسية والمهجورة التي كان يعتصم بها الأشقاء.
وعبر الأبحاث والدراسات الجادة تتبلور العواطف مصالح أكيدة وتجيء الأرقام مصداقاً للمشاعر، فالعفوية التي كان يتصرف بها أجدادنا هي خلاصة تحسس الواقع ومقتضيات الظروف والمصالح الحيوية بقدر ما هي ممارسة للشعور الطبيعي للمنتمي إلى أرض وتاريخ بالذاتز
الكل يتحسس طريقه حتى الآن، في انتظار المبادرة والمطلب المحدد،
والترابط في المصالح، والفائدة المشتركة، وتوكيد وحدة الانتماء، كل ذلك ينتظر من يبلوره ويحدد خط السير والاستهدافات.
ودور الدولة هنا أساسي ولا يعوضه أحد كائنة ما كانت كفاءة القطاع الخاص ورموز مؤسساته النشطة كغرفة التجارة وجمعية المصارف والصناعيين الخ.
ومع إن الدولة تعرف احتياجاتها وهي قد عرضتها وتعرضها على كل راغب في المساعدة أو قادر عليها، فثمة حاجة إلى مزيد من التدقيق والفرز وتحديد الأولويات ليمكن بالتالي تقديم عروض مختلفة للجهات المختلفة تتكامل في تلبية الاحتياجات وإن تمايزت تفاصيل الواحد منها عن الآخر.
ولا بد، ربما، من هيئة مشتركة بين القطاعين العام والخاص تدرس معاً وتقرر معاً، تدعو بالتنسيق، وتعرض بالتوافق، فالهدف واحد وبعد ذلك يأتي دور “الاختلاف” على الأرباح.
ولعل مثل هذه الصيغة تزيل بعض سوء السمعة اللاحق بالحكومة، وتضفي على الكل مجتمعين الرصانة والثقة والجدية والدقة في تحديد الأولويات.
لبنان بحاجة إلى الكثير، وهو لشدة احتياجه ولتعدد وجوهه يكاد لا يعرف من أين يبدأ وبماذا،
والعرب يستطيعون أن يقدموا اليوم أقل مما كانوا يقدمون بالأمس، لكن هذا الذي يقدرون عليه يمكن أن يخطو بلبنان نحو العافية واستعادة الدور.
ولبنان عربي في سلكمه، عربي في حربه، عربي في مصالحه، عربي في عواطفه، لا يبنيه إلا العرب، مجدداً، هم – مع أهله طبعاً – من بناه في الماضي،
المهم أن يبدأ النقاش الجدي، والمحدد : من أين نبدأ وكيف، وما هو دور كل طرف معني؟!
والخطوة الأولى لبنانية بالضرورة، وبعدها يمكن مطالبة العرب.
وإذا كانت صحيحة الأخبار عن المساهمة الخليجية الموعودة في الصندوق الدولي لإعادة إعمار لبنان (700 مليون دولار)، فمعنى ذلك إن “القرار” المنتظر بالإفراج عن هذا البلد البائس قد اتخذ، وإن إجراءاته التنفيذية في الطريق،
ويبقى أن تنجز الدولة ما عليها، وهو بكثير،
ولعل الشرط الأول هو التفكير بحكومة مؤهلة لهذا الدور، بعد هذه الحكومة التي كانت أمامها مهمات من طبيعة مختلفة، وإن كانت حاولت أن تعطي نفسها دور القادر على كل شيء والمؤهل لكل شيء والمستعد لأن “يأخذ ويعطي” في كل مجال،
عشية الذكرى الأولى لخلع العقبة الأخيرة في طريق الحل يبدو ضرورياً التفكير بإطلاق المبادرة العربية الأولى على طريق إعادة بناء لبنان،
وعندها يتوقف هذا الجدل البيزنطي الدائر حول “جنس الوزراء” وحول شعبية ميشال عون وسائر “المحررين” الذين دمروا ما تبقى من لبنان بحجة السعي لإنقاذه!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان