مبروك! بعد بيروت الكبرى ، والحكومة الكبرى، والجبل الأكبر، ها هو ذا المجلس النيابي يتحقق بسحر الساحر نفسه وعلى الطريقة إياها: الولادة بلا ألم؟
لن يشهق أحد متعجباً، فلقد انتهى عهد الدهشة والاستغراب أو التعجب! وبرغم توالي المفاجآت فهي – لسبب ما – لا تفاجئ أحداً! لا هي تثير الحزن ولا تطلق الفرح، فمن أغضب قد أغضب ومن أغبط قد أغبط، وسلم الجميع بأن ما كتب قد كتب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
في المجلسن أمس، كانت الصورة ناطقة: تأتأ النواب وهم يقدمون حيثيات رافضة لتأييد لاحق… وفي حين هرب البعض إلى الموقف المبدئي مجرداً، فقد هرب الأشطر إلى الموقف العملي معللاً مع الاعتذار للمبادئ التي اضطرتهم الضرورة إلى خيانتها… ولمرة واحدة!!
ثمة من “رضي برغم أن الديموقراطية ترفض”،
وثمة من تحصن بالجبرية “فنحن غير مخيرين بالتمديد” وغير مخيرين بالتعيين”.
بالمقابل، ثمة من رأى في الأمر “اعتداء على الناس واغتصاباً للحق والقانون”،
وثمة من فذلكها أكثر مفترضاً إنه “عندما يجدد المجلس لنفسه يكون سيد نفسه، أما مع التعيين فلا يبقى سيداً”.
الطريف إن هذه المواقف تعكس – إلى حد كبير – البلبلة التي يعيشها “الشارع” حتى وهو سادر في لا مبالاته، محاولاً الاطمئنان إلى أمر واحد لا ثاني له: هل هذا يهدد أم يخدم مشروع السلام؟!
الكل في مواجهة الخيار الصعب ذاته: التشبث بالمبدأ قد يمدد لمناخ الحرب، والتساهل أو غض الطرف أو حتى الانتهازية السياسية قد تفتح الباب لمشروع الحل الآتي…
أتريد الديموقراطية أم بسط السلطة الشرعية؟!
أتريد هدوء البال وصمت المدافع أم حقوق الإنسان وبينها الغرفة السرية والبطاقة الانتخابية وتلك الصندوقة المسحورة التي عبرها تقول لهذا أو ذاك “كن نائباً، بإرادتي، فيكون”؟!
… والحل صفقة متكاملة لا تتجزأ ولا تقبل القسمة، وما دمت قد سلمت به بالجملة فقد سقط حقك بالرفض أو حتى بالاعتراض بالمفرق،
لا مخرج لائقاً غير الصمت والالتفات إلى الناحية الأخرى، تاركاً السائرة بقدرة مولاها تسير فعين الرب ترعاها…
لا مجال في مناخ الحرب الأهلية لترف الديموقراطية،
على إن هذا التعذر لا يجب أن يشغل الناس عن صورة مستقبلهم:
فالمؤقت لا يجوز أن يتحول إلى دائم، والاستثنائي لا يجوز أن يصير قاعدة، والحرام لا يبرر بأبغض الحلال،
والأهم: إنه لا يمكن أن تقوم دولة وأن تستقيم أمورها على مجموعة من الاستثناءات والتجاوزات والارتكابات المبررة بالضرورة،
والخوف أن يحدث العكس، فنبقى في “دولة قيد التأسيس” إلى آخر الزمان، ولا تقوم “الدولة” الأصلية أبداً، لأن تحالف “الفعاليات” الطائفية – السياسية – الاقتصادية لا مصلحة له في قيامتها.
والمعركة الوهمية بين المجلس والحكومة كشفت جدية التحالف بين المتعاركين، بل لعل كل طرف كان يبرر للطرف الآخر ويحمي له مؤخرته شعبياً: فمن سيعين لم يقبل إلا كارهاً تزكية الممدد لنفسه، والنائب “التاريخي” قد زكى شرعيته عبر التشهير بهؤلاء الآتين عبر الأنابيب،
إنهم يشتركون في بيعنا “إنجازات” الحرب، وبالمفرق!
الميليشيات، مثلاً، مجموعة من السصفقات تمتد من السلاح إلى المرافئ فإلى الأنفار، مروراً بالنفط ومشتقاته ورفع الدعم للتمكين للاحتكارات الجديدة،
بالمقابل فتعيين النواب صفقة لها ثمنها السياسي، وإذا كان “المدلل” شاطرأً ارتفع السعر إلى شاهق!
والبعض يعمل لأن تكون العلاقات المميزة “صفقة متكافئة” مع التقسيم الإداري الذي قد يقنن كانتونات الأمر الواقع الطائفي أو قد يحول إمارات الإقطاع المسلح الجديد إلى ممالك أبدية أو إلى وقف ذري!
والدفع نقداً، ولكن بأسلوب التقسيط المريح!
ما علينا، فالاستطراد يوصل إلى متاهات مفزعة،
المهم إن النواب الممددين قد فوضوا الوزراء المعنيين بأن يعينوا النواب المستحدثين لملء الفراغ المشين في هذا البلد الأمين،
والثمن باهظ، لكنه بعض ضريبة الخروج من الحرب (يقولون) أما “ضرائب” الولوج إلى عصر السلاح فهي أبهظ بما لا يقاس، إذا كانت هذه العينات المباركات قطر أول الغيث الذي “ثم ينهمر”!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان