قد لا يكون إجراء الانتخابات في المواعيد المقررة لها، وفي ظل الظروف السائدة سياسياً، ووسط أمواج الأزمة الاقتصادية والمعشية الخانقة، مطلباً شعبياً ملحاً، يستثير الحماسة للنضال من أجله،
لكن الاعتراض على الانتخابات، إن لمواعيدها أو لقانونها الأعرج، لا يكفي سبباً لإعلان الثورة والمناداة بإسقاط جمهورية الطائف والسماح للمنطق التقسيمي بأن يطل مجدداً ومعه رائحة الحرب الأهلية.
إنها مرحلة انتقالية، والصراع فيها مفتوح بين القوى جميعاً، المحلية منها والعربية، الإقليمية وأبرزها إسرائيل، والدولية وفيها الأوروبية (وأبرزها الفاتيكان ثم فرنسا) وصولاً إلى صاحب الرعاية الأميركي.
وها إن كل طرف خارجي يعبر عن موقفه وبطريقته،
فليست مصادفة أن تغطي الطائرات الحربية الإسرائيلية السماء اللبنانية كل يوم، وأن توالي قصفها لقرى الجنوب على مدار الساعة تقريباً، بينما تتوالى تصريحات السياسيين الإسرائيليين (من شامير إلى رابين) مؤكدة أن لا أطماع لهم لا في الأرض ولا في المياه ولا في السماء اللبنانية!
إن العدو يذكر “بحضوره”، ولعله يطالب “بحصته”، ملتزماً في كلماته حدود الموقف الأميركي من الانتخابات النيابية: “لسنا ضدها ولكن…”
أما الفاتيكان فصمته يكاد يدوي بالاعتراض، ولكنه ربما فضل أن يعبر عنه البطريرك الماروني مؤكداً دعمه له، منبهاً من لم يفهم سر هذا الموقف “إن التاريخ سينصف سيد بكركي”.
وإذا كان الموقف الفرنسي قد تذبذب بين المطالبة بالانتخابات يوم كان الحديث عن تعيين نواب، وبين رفضها حين طرح موضوعها جدياً، ثم خفف الرفض إلى تحفظ عندما اكتفى الأميركيون بتسجيل موقف مبدئي وملتبس، فإنه قد انتهى إلى إعلان موافقته على إجرائها “شرط توفر النزاهة والحرية”،
ويبقى الموقف الأميركي الملتبس هو الأعظم وضوحاً في توظيفه الانتخابات كورقة ابتزاز أساسية للحكم في لبنان، ومن قبله وبشكل مباشر لسوريا، سواء عبر دورها اللبناني أو في المنطقة عموماً.
فالموقف الأميركي تراوحت درجات حدته بين غليان بعض رجال الكونغرس، وبين لا مبالاة بعض الناطقين باسم الخارجية والبيت الأبيض، وبين الموافقة بالشروط التي أعلنها جيمس بيكر في زحلة، وبين التحفظات التحريضية التي أطلقها رايان كراكر على باب رئيس الوزرءا في بيروت…
ومؤكد إن المعارضين للانتخابات، ولأسباب متعددة، يمكن أن يتكئوا على هذه المواقف، لاسيما آخرها الصادر عن السفير الأميركي في بيروت، لكن الأخطر هو إنها تشكل حرباً استبقاية على نتائج الانتخابات وعلى المجلس العتيد الذي ستنجبه وهو موضع لغط وتناول وتشكيك من قبل أن يولد.
إن الموقف الأميركي يحاول أن يسحب ورقة الانتخابات من يد سوريا، التي سبق أن سحبتها من يد واشنطن ووظفتها في ما يخدم تحصين موقعها ليس في لبنان فحسب بل في الصراع حول الخريطة الجديدة التي يجري الإعداد لرسمها لمستقبل المنطقة.
ولعل الموقف الأميركي يطلق هذا الفيض من التحفظات والاستدراكات ليمكنه من بعد الطعن في النتائج، والتلويح بعدم الاعتراف بها، واستخدامها كورقة ضغط على الحكم اللبناني وعبره على سوريا في لبنان وخارجه.
لكن الثمن سيكون باهظاً جداً، على اللبنانيين، لو إنهم انساقوا في ظل هذا التحريض، إلى الانقسام بذريعة الثورة “على القهر” المعبر عنه بالانتخابات!
إن الانتخابات نفسها هي الوسيلة الأفعل للتعبير عن الرفض والغضب والبرنامج التغييري العتيد، وليست المقاطعة.
… والا غطى هدير الطيران الحربي الإسرائيلي على أصوات “الثائرين”، الذين سيتكشفون ، مرة أخرى ومتأخرين كالعادة، إنهم إنما كانوا مجرد أداة لمخطط أجنبي لا يستهدف خيرهم واستقرارهم وازدهارهم الاقتصادي، ولا خاصة ضمان حقهم في الحرية وفي ممارسة الديموقراطية في ظل السيادة والاستقلال الناجز.
… ولعلنا نتعظ بما تشهده، مرة أخرى، الساحة الفلسطينية ، هذه الأيام، من خلافات وانقسامات تكاد تذهب بجوهر القضية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان