الحمد لله على أن بعض أهلنا العرب ما زالوا يفكرون فينا ونيابة عنا،
… وإلا فتصور حالتنا لو إن أمرنا متروك لأولي الأمر فينا المشغولين بأنفسهم عنا، والذين لا نسمع عنهم إلا “ما يفرح” ولا نسمع منهم وفي بعضهم البعض إلا ما يحزن!
والحمد لله على إن أهلنا العرب وبعض المهتمين بمصالحهم في المنطقة، من الدول والقوى الأجنبية، يفكرون فينا و”يشيلون همنا” ويقلقهم أن نعيش في عتمة الجنرال والميليشيات الطائفية وإفلاس الشرعية،
… وإلا فتصور حالتنا لو إن أمور الكهرباء والماء والمرافق ستترك لمن يتولى “مسؤوليتها” حالياً، فيهدم القائم، ويكمل نقيضه عمله فيبيعنا قساطل مهترئة ما أن تعبر فيها المياه حتى تنفجر و”تفجرنا” مرتين: مرة بالعطش والأخرى بالغيظ لأن مالنا القليل قد ذهب ما مياهنا القليلة هدراً، دون أن نرتوي أو يرتوي العطاش إلى السطلة والمال… الحرام!
والحمد لله إن الإمبريالية أكثر إشفاقاً علينا من بعض من يدعي تمثيلنا والنطق باسمنا وتعويضنا الغبن والحرمان أو تأميننا من خوف مزمن أو رفعنا نحن المستقبل محققاً فينا نموذج الشعب السعيد!
والحمد لله أن الصندوق الدولي لمساعدة لبنان، بالملياري دولار (؟!) وأكثر، لن يكون بأمرة أي من محبي المليارات من قادتنا الأفذاذ، ولن يكون مفتاحه في مكان يسهل اقتحامه ومصادرة موجوداته تحت شعار إعادة توزيع الثروة بمزيد من العدالة والإنصاف والمساواة بين المناطق والطوائف والمواطنين المقتتلين لتحقيق ذلك الشعار المنسي!
والحمد لله، خاصة، على إن مجلس إدارة الصندوق سيضم “سيداً أميركياً” و”محاسباً يابانياً” إضافة إلى الشهود العدول من الفرنجة والعرب العاربة، فذلك يبعد عن المخيلة صورة “صندوق الدين” الشهير الذي أقرض الخديوي ليبني قصوره ثم “سرق” مصربكل خيراتها، بما فيها قناة السويس وأخضعها – وأخضعنا معها – لحقبة استعمارية لما تنته!
والحمد لله، أخيراً، إن اللجنة العربية الثلاثية قد تنبهت فنبهت من يعنيهم الأمر إن لا صندوق ولا مشروع حل ولا حكومة جديدة إلا إذا تكرم المجلس النيابي الأبدي فأنجز عهده وأتم أبسط واجباته فأقر التعديلات الدستورية المطلوبة لكي يتحول اتفاق الطائف من مجرد وثيقة إلى صيغة سياسية وقاعدة لحكم الوفاق الوطني في لبنن.
وطالما إنها لحظة تأمل وصفاء، بينما حشود المؤمنين تقف خاشعة مبتهلة على جبل عرفات وهي تؤدي مناسكالحج، فلال بد من أن نحمد الله كثيراً على إن أهلنا العرب قد اضطروا أخيراً للاعتراف إننا – نحن اللبنانيين – جميعاً أبناء آدم وحواء، ليس بيننا من يحمل في عروقه دماً أزرق وليس بيننا من يتحدر من حضارة أخرى، وليس فينا من ينتسب إلى النبلاء مقابل الدهماء والغوغاء وسائر الهمج الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من هذا الشعب العربي المتخلف تماماً كسائر العرب العاربة والمستعربة!
ولعلهم لهذا السبب قد اضطروا إلى الاعتراف بأن سليم الحص، مثلاَ، أرقى بما لا يقاس وأكثر تحضراً وفهماً وعلماً ونزاهة من الجنرال ميشال عون، أو سمير جعجع، أو داخي شمعون أو أمين الجميل الخ.
… وإن “حزب الله” على سبيل المثال، ليس متطرفاً ومتصلباً ومتعصباً إذا ما قيس بـ “القوات اللبنانية” وسائر إفرازات المؤسسة – الام للتعصب في لبنان: حزب آل الجميل المسمى “الكتائب” والذي يحمل لواءه اليوم فينوء بحمله الدكتورجورج سعادة،
… وإن “الملحدين” و”الكفرة” و”الهدامين” من المنضوين تحت ألوية أحزاب اليسار أبربأهلهم وارحم بهم من المغالين في ادعاء الايمان بحيث تغدو اللحية هي معيار الاتصال المباشر مع الله عز وجل.
فمجموع ما هدمه أو حاول هدمه هؤلاء “الهدامون” عبر تاريخهم الطويل كله يصير نكتة إذا ما قورن بحجم الإنجاز التاريخي الذي حققه أدعياء الايمان والقداسة، وفي أحيائهم وبيوتهم ذاتها، وفي فترة قياسية تحسب باىلأسابيع والشهور وليس بالسنوات أو الأجيال.
والحمد لله كثيراً على إن أهلنا العرب قد تنبهوا إلى ما يدبر لهم فردوا الصاع صاعين للولايات المتحدة الأميركية ومن معها… ألم توصلهم واشنطن إلى نصف البئر، في لبنان (وخارجه) ثم قطعت الحبل!!
وعلى حد تعبير دبلوماسي أميركي لن ينسى اللبنانيون اسمه بسهولة فإن واشنطن كانت أسعد الناس بتشكيل اللجنة العربية الثلاثية وتحملها مسؤولية إيصال لبنان إلى شاطئ السلام… لقد اعتبرت يومها إنها رمت العرب بدائها وانسلت، وإن ذوي الشأن قد تولوا بأيديهم زمام أمورهم، وإن بوسعها إذن أن تنام قريرة العين، فهي قد أدت قسطها للعلى فإن وقع الفشل كان عربياً، وإن حصل النجاح – بمعجزة ما – استطاعوا الادعاء بأنهم شركاء في صنعه!
من خلال الصندوق الدولي، ها هم أهلنا العرب يشركون معهم “أصدقاءنا” الأميركيين عملاً بالقول المأثور: “واللي شبكنا يخلصنا”.
طبعاً قد يفهم إن العرب يحاولون التنصل أو التهرب من حمل المسؤولية منفردين،
لكن الحقيقة الناصعة إن العرب يعودون، في هذا الأمر، إلى ولي الأمر كما في كل أمورهم لا فرق بين لبنان وديارهم بالذات، ويستوي في ذلك الأمر السياسي والأمر الاقتصادي والأمر العسكري والأمر الثقافي والأمر الحياتي والأمر الأمني… وهو أخطر الأمور، طال عمرك!
واللوحة تبدو كاريكاتورية إلى حد ما:
فكأنما يتوجب على الكل، من عرب وأميركيين وأوروبيين ويابانيين، أن يعطوا بينما يأخذ “اللبنانيون”، وبالذات أولئك الذين سيق أن أخذوا من لبنان (وغيره) أكثر مما يحتمل، وأولئك الذين عطلوا حتى اليوم كل احتمال للحل!
فالمتمرد مرشح لأن لأن يكون وزيراً شرعياً وربما أكثر قليلاً من وزير، بحسب النصيحة الفرنسية.
والانفصالي يؤهل لأن يغدو وزيراً للوحدة الوطنية،
ومغتصبو المال العام وناهبوه يزكون لكي يكونوا المسؤولين الكبار في الجمهورية الجديدة؟!
الحمد لله كثيراً… فمن يحمد على المكروه إلا الله سبحانه وتعالى؟!
على الهامش
ليست الخواطر الطيبة وحدها هي التي تتوارد، أحياناً تكون شريرة تلك الخواطر المتواردة،
بين ما يمكن أن “يتوارد” على الخاطر في هذه اللحظات السؤال الآتي:
هل التطرف الماروني هو مصدر الشرعية في بلد كل الطوائف بزعامة الطائفة المارونية؟!
من تجربة الرئيس الراحل فؤاد شهاب في العام 1958 حتى تجربة الرئيس القائم الياس الهراوي، مروراً بعهود الرؤساء حلو، فرنجية، سركيس وأمين الجميل، تتكرر الحكاية ذاتها ويفرض على اللبنانيين أن يعيشوا النتائج إياها!
فكثير من المؤرخين والمهتمين يأخذون على فؤاد شهاب إنه غادرحلمه في بناء “دولة الاستقلال” عندما خضع لابتزاز التطرف الماروني، فأسقط حكومته الأولى وشكل مكرها “حكومة الأربعة” الشهيرة مقطعاً التمثيل المسيحي فيها للأعظم تطرفاً (وخصومة لنهجه) بين الموارنة: بيار الجميل وريمون اميل اده.
وإذا ما تجاوزنا العهود الأخرى لنقف أمام ما نشهد9ه اليوم فلكأننا عشية “ثورة مضادة” (كتلك التي رتبوها العام 1958) توشك أن تنقض على الشرعية لتحول مسيرتها واتجاهها تحت ذريعة: تعزيز التمثيل الماروني في الحكم والحكومة.
كل الدنيا، من الفاتيكان إلى فرنسا (ومعها معظم أوروبا) إلى العرب (ولاسيما الأكثر تشدداً في الظاهر في إسلامهم) لا ينامون الليل وهم يعملون لاسترضاء ميشال عون وسمير جعجع وإقناعهما أو إغرائهما بدخول جنة الحكم.
والكل يتصرف وكأن الحكم ناقص الشرعية ومعتل “اللبنانية” إذا هو لم ينل “بركة” رموز التطرف بل التعصب الماروني.
برغم إأن هذا التعصب قد ارتد، هذه المرة، على القائلين به فكان سبباً في تدميرب “مجتمعهم” ببشره وحجره وشجره،
لا توبة إلا بعد خطيئة،
ولا غفران إلا بعد جنابة،
ولا زعامة إلا بعد قتل الرعية،
وبعدد ضحاياكم تكون زعاماتكم وتدوم وزاراتكم… أدام الله العز لأهل،
والحمد لله من قبل ومن بعد، الحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المهم: أن يبقى من الشعب العدد الكافي لكي يضم مجلس الوزراء العتيد جميع الزعماء الذين يستحقون بإنجازاتهم شرف المساهمة في بناء الغد الأفضل.
وكل عام وأنتم بخير!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان