نتمنى أن تكون صحيحة تلك الأخبار المفرحة التي نسمعها، ومن مصادر عربية “مسؤولة”، عن الصندوق الدولي لمساعدة لبنان،
نتمنى أن يكون العرب قج تنبهوا، أخيراً، إلى خطورة ما يدبر لهم في لبنان وعبره، فقرروا أن يتحملوا الحد الأدنى من مسؤولية الدفاع عن أنفسهم باستنقاذ من تبقى من اللبنانيين وما تبقى من “الجمهورية اللبنانية” وحكمها المستند إ‘لى شرعية عربية ودولية صادرة عن الإرادة ذاتها التي تقول الآن بالصندوق.
نتمنى أن يكون أهل الطائف قد أدركوا، أخيراً، أن “الانيميا” تهدد وليدهم الذي جاء أصلاً بعملية قيصرية، والذي ما زالت تتهدده أمراض القصور والتخلف والإعاقة ونقص النمو بسبب فقر الدم أو ضغط الدم أو اىلزيادة المحلوظة للكرويات الميليشياوية في دمه الشحيح!
نتمنى أن يكون حكام العرب قد وعوا، أخيراً، حجم الكارثة القومية في لبنان، وتجاوزوا الحساسيات والأحقاد الصغيرة والأغراض والنكايات والحسابات الكيانية الضيقة،
… خصوصاً وغنهم سمعوا من الوفد الرئاسي الذي طاف بأرض العرب، مشرقاً ومغرباً، ما كان ينقصهم، أو ما كان فاتهم أن يسمعوه من معلومات عن أوضاع المواطن في لبنان، وأساساً عن أوضاع دولته المهددة في وجودها ذاته.
وبغض النظر عن النتائج العملية للجولة الرئاسية على الأقطار العربية فإن أهم ما حققته حتى الآن إنها صححت المعلومات، أو إنها أوصلت المعلومات، فوضعت أمام المسؤولين العرب جميعاً صورة تفصيلية للجرح العربي في لبنان.
كان بعض هؤلاء المسؤولين يرى في ميشال عون “مشروع بطل وطني”، ولم يتورع عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية (وعن معاملته على هذا الأساس)،
ولم يكن الاعجاب بشخص ميشال عون أو بملكاته وخطابه السياسي هو السبب في تأييده والمراهنة عليه، بل لقد تجمع حول “الجنرال” هناك من تجمع حوله هنا، أي كل المتضررين من الوجود السوري في لبنان، ومن الدور السوري في المنطقة، إضافة إلى من ظل ينظر بإصرار إلى “القوى الوطنية” في لبنان على إنها خليط من الشيوعيين الملحدين والأصوليين الإسلاميين المبالغين في تعصبهم وكلاهما قوة هدامة,.
الطريف إن الأنظمة العربية المحافظة والرافضة لأي طرح تغييري في لبنان (أو غيره) قد بالغت في تأييدها لجنرال العتم باعتباره “بطل التغيير” وكادت تنتظم في صفوف الجمهور المهووس الذي كان يهتف له، أمام الكاميرات والميكروفونات إناء الليل وأطراف النهار: “بالروح، بالدم نفديك يا عماد”،
والطريف إن هذه الأنظمة ذاتها التي تقاتل الأصولية الإسلامية بحجة تعصبها لم تمحض ثقتها وتأييدها (ودنانيرها) إلا لرموز الأصولية المسيحية ولمؤسساتها (من الكتائب إلى “القوات اللبنانية” إلى الجيش بعدما حوله الجنرال إلى ميليشيا مارونية مغلقة).
ولقد كانت مفارقة ملفتة، أن يساند ملوك العرب وأمراؤهم والسلاطين الجنرال الذي يتعيد كاريكاتورياً حديث الثورة والتغيير والتحرير ويحاصر السفارة الأميركية بشعارات عدائية نسيها وتخلى عنها الاتحاد السوفياتي نفسه والشيوعيون في أربع رياح الأرض.
ما علينا، لنعد إلى حديث صندوق المليارات، أو صندوق الدنيا، أو صندوق الفرجة، كما كان يسميه العجائز في الضيعة، الذي تزامن إطلاق أخباره المدوية مع الدولة الرئاسية على نادي الأغنياء من العرب على تخوم المملكة المذهبة.
وحديث الصندوق قديم، ولعل أول من بشر به وروج له هو الأخضر الإبراهيمي،
كان منطق الأخضر، باستمرار: – اعطوني الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني فأجلب من مساعدات العالم ما يدهش لبنان!
وكان الأخضر يقول ويعيد إن إعادة بناء لبنان ليست مسؤولية عربية فحسب، بل هي مسؤولية دولية، وإنه يملك من الوعود والتعهدات والالتزامات الدولية ما يجعله واثقاً ومطمئناً إلى أن اتفاق الطائف سيتعيش وسيصمد وسيسقط خصومه!
وكانت تقديرات الأخضر الإبراهيمي ترجح حجم المساهمة الدولية على المساهمة العربية في رأسمال الصندوق العتيد،
ولعل الأخضر ينظر إلينا من عل الآن (فهو يقف فوق صندوق الملياري دولار) ويباهينا بأن “الحلم” الذي كان لا يمل الحديث عنه قد تحقق أو هو في طريق التحقيق.
المهم إن الحديث عن لبنان، في دنيا العرب قد تجدد متخذاً سياقاً مختلفاً عن ذاك الذي اتخذه في السنوات المنصرمة، وتحديداً خلال عهد أمين الجميل ووريثه “الشرعي” ميشال عون، بكل الحروب وحالات الاقتتال الأهلي الذي حفل بها والتي توجت بالحرب على “الشرقية” بين رموز مؤسسة التعصب الماروني ذاتهم.
لقد فوجئ بعض المسؤولين العرب بأن نوارتهم بيروت بلا كهرباء ولا نور؟!
وإأن واحتهم الفضلى لبنان تعاني من الظمأ،
وإن مصايفهم الجميلة من بحمدون وعاليه إلى ضهور الشوير وبولونيا انتهاء بمصايف كسروان مهدمة ومهجورة،
وإن اللبنانيين لا يستطيعون أن يتواصلوا ولو عبر الهاتف بعدما دمرت السنترالات والشبكة ونهبت الكابلات،
فوجئوا بحجم الدمار، وبمدى “الكرم” الذي أغدقه بعض العرب على المحاربين وهم يدمرون منازل أهلهم ويقتلون أخوتهم وأبناء عمومتهم الأقربين.
وبرغم إن الحرب مكلفة جداً، وأعلى كلفة بما لا يقاس من السلام، فلقد وجد من يمول الحروب (على اختلاف المراحل) ويكاد السلام يفتقد الآن من يشتريه!
والحقيقة إأن العرب (ودولاً أخرى غير عربية) كانوا أعظم ما يكونون كرماً وهم يمولون حروبهم في لبنان وعليه، وحروب اللبنانيين فيه، وبالتأكيد فهم قد دفعوا عشرات المليارات ثمناً للسلاح والذخيرة (وأسر الشهداء؟) والمقاتلين، فإذا أضيفت خسائر الدولة والمواطنين في لبنان صارت أرقام الأموال المهدورة فلكية… هذا حتى لا نحسب قيمة الدماء التي سفحت ظلماً!
وبغير الافتئات على العرب بتحميلهم لوحدهم المسؤولية وتبرئة اللبنانيين من دم هذا الصديق، فإن هذه الحروب – بأكلافها الباهظة – قد أدت إلى تهجير جيل كامل تقريباً من الكفاءات،
لكأنما كنا ندفع (عرب الداخل وعرب الخارج) وبادلولار لتهجير اللبنانيين،
هذا في حين إأن الوكالة اليهودية ومعها قوى عالمية عظيمة النفوذ تفرض ضريبة على المواطن الأميركي وعلى الأوروبيين عموماً لتغطية تكاليف “استيراد” اليهود السوفيات وتوظينهم في الأرض العربية داخل فلسطين وخارجها،
نحن ندفع لنهجر أهلنا والأكفأ من أبنائنا،
وهم يدفعون ليستقدموا إلى أرضنا وبيوتنا ذاتها الأغراب الآتين لإقامة إمبراطورية إسرائيل الكبرى على أنقاض فلسطين ولبنان والأردن وسائر أرجاء الوطن العربي الذي كان كبيراً ذات يوم!
والمخزن إننا نمول حروباً لا تخدم غير عدونا القومي في النتيجة،
… وإنهم يمولون حروبهم لاستئصالنا وطردنا من أرضنا بالأرباح الناتجة عن استغلالهم لخيرات أرضنا وعوائد أموالنا المحتجزة لديهم.
ما علينا، لنعد إلى اتفاق الطائف…
ها هو هذا الاتفاق الذي ولد عبر مجموعة من العجائب والذي يستمر على قيد الحياة بمعجزة نادرة الحدوث، ما زال معلق التنفيذ في البلد الذي أعد من أجله،
فمتى يقر النواب اللبنانيون، وهم “والدة” هذا الاتفاق التعديلات الدستورية الضرورية لتحويله من وثيقة “تاريخية” إلى صيغة سياسية صالحة لأن تكون أساساً لجمهورية الوفاق الوطني،
… جمهورية تستحق أن ترصد لها الدول، وأن يرصد لها العرب، مليارات الدولارات، في حين لا يجد مواطنها ما يسد به رمقه إلا بشق النفس؟!
والسؤال هو: مع من سيكون مفتاح هذا الصندوق؟!
… ومن هو المسؤول عن “شراء” الباب إلى الحل في البلد البلا باب، وعن شراء الصيغة السياسية للحكم في البلد الذي ينتظر حكمه الشرعي صيغته السياسية لكي تكتمل نموه ويتقدم الصفوف ليعيد بناء “الواحة العربية” فوق أرض الجريح؟!