مع انبلاج عصر “الانفتاح” في القاهرة، بادر المنظرون والمبررون المتطوعون إلى طمأنة المتخوفين من العرب بأن لا داعي للخوف لأن كل ما يحصل يندرج في خانة التكتكات ليس إلا؟
وكان منطق هؤلاء يتخذ السياق التالي:
“إن الموقف من الولايات المتحدة الأميركية، كزعيمة للإمبريالية العالمية، لم يتغير ولم يتبدل،
“وإن النظرة إلى نظامها الرأسمالي الاحتكاري، الاستغلالي، الجشع، ذي الطبيعة الاستعمارية الخ، ما تزال هي هي.
“وإن الجديد في الأمر لا يزيد عن إعطاء فرصة للداهية كيسنجر، فإن جاءنا الخير على يديه كان به وإلا فلن نخسر شيئاً”.
ثم مع تزايد اهتزاز مركز نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، اكتسبت لهجة المنظرين جدية لم تكن فيها من قبل، وتركز منطقهم على القول: إننا نحاول الإفادة من حاجة نيكسون الشديدة إلينا كي نأخذ منه أقصى ما يستطيع أي رئيس أميركي أن يعطيه.
ووصل الأمر بمسؤول مصري كبير إلى حد التباهي بأنه “يشغل كيسنجر صبياً لديه” وبأنه هو وحده “القادر على إبقاء نيكسون رئيساً أو طرده من البيت الأبيض”.
اليوم، ومع اقتراب قضية نيكسون من ختامها الذي يجمع المراقبون السياسيون على أنه سيتمثل بعزل الرئيس الأميركي من منصبه خلال فترة قد لا تتعى الشهرين، طرأ تحول جوهري على منطق منظري سياسة الانفتاح والمروجين لها فإذا هو يقولون: لا يهمنا الأشخاص، من يبقى منهم ومن يذهب. المهم هو النظام. والنظام الأميركي باق سواء تمت الاطاحة بنيكسون والعزيز هنري أم استمرا في موقع المسؤولية.
وهكذا تبدو سياسة الانفتاح عارية حتى من ورقة التين، وتكتسب مضمونها الأصلي كمصالحة علنية مع الإمبريالية ومع النظام الرأسمالي العالمي أي مع المعسكر الاستعماري، الذي تتولى قيادته الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن فهم الدعوة إلى “التضامن العربي” إياه، أي تضامن الأنظمة بوجه شعوبها،
ويمكن فهم إعادة الاعتبار إلى الرجعية المحلية كشرط من شروط الاستعمار والإمبريالية للمصالحة!
ويمكن أخيراً استكشاف آفاق الموقف “الجديد” من إسرائيل… ففي حين تؤكد سلسلة التدابير التي تتخذ في تل أبيب، كما يؤكد المسؤولون الإسرائيليون بأنفسهم الاستعداد لحرب جديدة، يتطوع السيد اسماعيل فهمي لطمأنة العرب إلى أن “الحرب مع إسرائيل مستبعدة”!
… ومع استبعاد الحرب مع إسرائيل يكتسب التحذير من حرب أهلية عربية أبعاداً خطيرة، وتتضح ملامح صلة من نوع ما بين هذا التحذير والخوف من سقوط نيكسون الذي سيجعل مؤتمر جنيف غير ذي موضوع، في المدى المنظور على أقل تعديل.
والمواطن العربي، الآن، بانتظار أن يسمع من منظري عصر الانفتاح دعوة إلى “الجهاد” ليس فقط في سبيل بقاء نيكسون، بل أيضاً من أجل حماية الإمبريالية العالمية وتدعيم المعسكر الاستعماري وتأمين الرساميل الأجنبية (والأميركية خاصة) ضد مخاطر نزق الشعوب وتطرفها الذي يدفع بها في لحظات معينة إلى الثورة!
… هذا بينما الملك فيصل، وفي عيون موسى وأمام خط بارليف المدمر، ينكر على المقاتل المصري العظيم أي فضل في العبور والاختراق والاقتحام والنصر وينسب ذلك كله إلى الله، جل جلاله، الذي تخلى عنا لفترة ثم عاد يساعدنا لما تبنا وعدنا إليه،
ويا للمصادفات، إذ جاءت العودتان في وقت واحد!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان