… فماذا لو جرت انتخابات بالحد الأدنى من الحرية في العراق؟!
إذا كان الكويتيون قد استطاعوا أن يقولوا ما قالوه في حكامهم، عبر الانتخابات النيابية، متقدمين في اتجاه محاسبتهم عن مسؤوليتهم عن وقوع الغزو ثم عن الفشل الذريع في مواجهته، ولو بالحد الأدنى،
وإذا كان الكويتيون الذين انقلبوا من مهزوم إلى حد الزوال عن الخريطة إلى “منتصر” بحراب “التحالف الدولي” المنضوي تحت لواء المصالح الأميركية، قد التفتوا إلى الخلف في مراجعة لما كان يمكن تفاديه – ربما – بقليل من الحكمة والكثير من الدنانير،
فماذا لو أن العراقيينمكنوا من أن يقولوا رأيهم في حكامهم الذين أضاعوا مجد العراق، قوته وموارده وسمعته وجيشه الذي كانت تدخره الأمة لأحلامها في التحرير الوحدة، وإمكاناته الهائلة التي تعادل مجموع ثروات سائر الخليجيين ومعهم مملكة الذهب الأسود؟!
ماذا لو نطقت جراح العراقيين، وأخطرها الجرح في كرامتهم وأعتدادهم بوطنهم وعزتهم القومية، وكلها الآن ركام ودماء مسفوحة وذكريات موجعة تتناثر تحت أقدام قوات “التحالف الدولي” إياه الذي يتفنن في تقطيع أوصال الجسد العراقي، تراباً وشعباً، بحرص شديد على عدم المس بسلامة المسؤول الأول والأخير عن الكارثة؟!
إن قراءة متأنية لنتائج الانتخابات في الكويت تظهرها على حقيقتها: محاسبة، متأخرة، للأسرة الحاكمة عن تقصيرها في تحصين الإمارة التي شرفها أهلها بوضعها فوق سدة السلطة.
فليس انقلاباً، ما حدث عبر هذه الانتخابات التي اكتسحها “المعارضون” على تعدد تياراتهم واتجاهاتهم وتلاوينهم السياسية (وقد ضبطت نفسها راضية مرضية تحت سقف الحماية الأميركية، وارتضت أن تكتفي من الديموقراطية بما يتناسب مع موجبات حماية المصالح الأميركية وكذلك مع موجبات حماية الادعاء بأن واشنطن هي حارسة الديموقراطية وحقوق الإنسان في الكون!!!).
ليس انقلاباً ولكنه محاكمة، أو أنه على وجه الدقة الفصل الثاني من المحاكمة التي كانت قد بدأت – مواجهة – في المؤتمر الشعبي بجده، لكن استمرار الاحتلال العراقي لجم اندفاعها وحصرها ضمن نطاق الوحدة الوطنية، وهي أعظم الأسلحة في مقاومة الغزو ونتائجه.
يقول حمد الجوعان (وهو أحد وجوه المعارضة، وكان قد تعرض بعد التحرير لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، وإن ظل تحت العلاج إلى ما قبل أيام): “إن الكويتيين قالوا “لا” للسنوات الست الماضية”، وهي فترة تعطيل الدستور وتعطيل الحياة النيابية بالتالي،
لكن من في الخارج يفهمون هذه الـ “لا” بما يتجاوز بدلالاته الست سنوات الماضية ووقائعها البحت محلية.
وهؤلاء يرون في النتائج، أيضاً، ما يتجاوز ما أراده منها السفير الأميركي في الكويت ادوارد غينيم من أنها “كانت جيدة للغاية في بناء فكرة الديموقراطية على المستوى الشعبي”.
وإذا كانت كبريات الصحف الأميركية لم تر من خلل فيها إلا حرمان النساء حق الانتخاب، فإن العرب خارج الكويت قد افتقدوا صورتهم، وصوت الكويت العربي، فيها.
لقد كان غزو الكويت مصيبة على الكويتيين جميعاً،
لكنه كان نكبة على العراقيين،
وكان كارثة على الأمة بمجموعها،
وإذا كان الكويتيون قد رأوا من حقهم بل من واجبهم أن يلتفتوا بالمحاسبة إلى حكامهم المقصرين في منع المصيبة أو الحد من أضرارها،
… فماذا عن “أشقائهم” العراقيين الذين خسروا اليوم والغد، ووحدة الأرض والشعب، إضافة إلى عشرات ألوف القتلى وألوف ألوف الاسرى،بكل المهانات التي تجرعها العرب جميعاً عبر صور استسلامهم الشنيعة؟!
ماذا لو قال العراقيون رأيهم في من يتحمل مسؤولية الغزو بكل النتائج المدمرة التي انتهى إليها، إن على المستوى القطري أو على المستوى القومي؟!
وعلى ضمور المحاولة الكويتية فإنها التجربة الأولى يقدم عليها بعض العرب في محاسبة الحاكم على هزيمة تسبب فيها، ولو كانت مسؤوليته من الدرجة الثانية.
والأملأن تنتقل العدوى، عدوى المساءلة والمحاكمة والمحاسبة على الهزائم، إلى ما حول الكويت،
فالهزيمة القومية ليست من صنع صدام حسين وحده، وإن كان “بطلها” بامتياز، لكن له فيها شركاء أساسيين بينهم حكام الكويت وآخرون يعرفهم الناس بالاسم واللقب المغتصب شرف الأرض المقدسة أو الجلالة التي لم تكن أبداً ولن تكون إلا الله وحده.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان