لا تخفي كلمات الإدانة الخجول التي صدرت عن بعض الجهات العربية في مجال “التعقيب” على الاجتياح العسكري العراقي للكويت واقع الشلل العربي العام وتفاقمه إلى درجة تهدد الأمة في وجودها ذاته.
فالشلل كان بين مسوغات القرار العراقي غير المبرر وغير المقبول.
… تماماً كما كان من قبل بين مبررات الكويت للانفراد بقرارها الفظ في رفع العلم الأميركي على ناقلات نفطها، وكما كان أمس بين مبررات “حكومتها” المجهولة المصير في طلب النجدة العسكرية الأميركية لمواجهة الاجتياح العراقي.
ولن ينفع اللوم، الآن، ولا المحاسبة على الماضي، ولا التفجع ومباشرة نظم القصائد في رثاء الأمة ومستقبلها بأقطارها كافة، ولا خاصة القول: إنها حرب بين خاطئين ومخطئين.
المهم أن يجري التبصر والتفكير والتدبير في ما يمكن أن يحمي البقية الباقية من المصير العربي.
فالاجتياح هو نتيجة لافتقاد الأمة إلى مرجعية قيادية أو مؤسسة جامعة،
ولو كانت مثل هذه المرجعية موجودة ولها تأثيرها المفترض لما تجرأ حاكم، مهما بلغ من جبروته وإحساسه بالعظمة، على استخدام السلاح لحسم خلاف مع قطر شقيق على بعض الأرض أو بعض المال، تاركاً الأمة كلها تدفع الثمن من أرضها بناسها ومواردها الطبيعية ومن سمعتها ومكانتها ودورها في العالم.
إن بين ما كشفه بوضوح هذا التصرف الفردي غير المسؤول للنظام العراقي أن المؤسسات العربية القائمة ليست أكثر من قصور من كرتون،
*فجامعة الدول العربية قد تحولت. ومنذ فترة طويلة، إلى جثة محنطة…
… وإذا كانت الجعجعة حولها وحول مقرها قد تعاظمت وكادت تتسبب في إشكالات ومشكلات بين القاهرة وبين تونس فإنما لأسباب مالية وإدارية وليس لأسباب سياسية في أي حال. إنه خلاف على الضريح وعلى من يتكفل بمصاريف الجنازة.
لا أحد يريد للجامعة العربية أن تنتعش وأن تعود إليها روحها وأن تستعيد دورها، لأن الحكام العرب بمجموعهم يريدون أيديهم طليقة ويريدون لتصرفاتهم (وفيها التحالفات وتغيير المواقع والمواقف وصولاً إلى قرارات الحرب والسلم) أن تتم بغير رقابة من أحد، لاسيما من الأخ الشقيق شريك المصير!
*ومؤسسة القمة العربية التي ولدت عملاقاً سنة 1964 قد انتهت لأن تكون إطاراً تافهاً للتسويات والمساومات، على حساب القضية، من أجل حد أدنى من التضامن الشكلي، على حساب وحدة الهدف ووحدة العمل ووحدة الأداة:.. انتهاء بوحدة المصير.
من زمان، صار انعقاد القمة أهم من جدول أعمالها،
وصار اختتام القمة بغير فضائح أهم ألف مرة من قراراتها السخيفة والتي تبقى في الغالب الأعم بلا تنفيذ.
*واستطراداً، فإن البدائل عن المؤسسات الجامعة. وبالتحديد المؤسسات الإقليمية، لم تثبت إنها مصنوعة هي الأخرى من مادة غير الكرتون… وإن كان أميركياً (وليس إنكليزياً) هذه المرة!
** وعلى سبيل المثال فإن مجلس التعاون الخليجي الذي احتفل أصحابه بعيد ميلاده العاشر منذ شهور، قد ظهر وكأنه باب خروج من الأمة ومن الجامعة أكثر منه باب دخول إلى شيء من الوحدة بين أقطار يجمع بينها الرباط النفطي المقدس المعزز بعلاقة خاصة جداً وحميمة جداً مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماًز
** وبالمقابل فإن مجلس التعاون العربي الذي أنشئ بعملية قيصرية عراقية قبل سنة ونصف السنة، لم يثبت أهليته للحياة أو أنه سقط سهواً بين مؤتمرات القمة العديدة التي انعقدت لتحديد مهامه وأهدافه التي لم ينجح أحد في تحديدها حتى الآن!
وطريف أن يكون النظام العراقي، وهو “القائد المؤسس” لهذا المجلس قد خدع شريكين له فيه هما الرئيس حسني مبارك والملك حسين، فأوهمهما باستعداده لقبول التسوية، ثم “غافلهما” واجتاح الكويت ومعها المجلس الآخر: التعاون الخليجي!
الآن وبينما الأمة تعاني من نزف جرحها الجديد يلتفت المواطن العربي فلا يجد مرجعاً أو مرجعية أو مؤسسة جامعة يلجأ إليها وينتظر منها الحل، أي حل. الذي يمكن أن يدرأ المخاطر المصيرية التي يمكن أن تنجم عن هذه الحرب الجديدة التي اتخذ قرارها حاكم فرد برغم أن المئتي مليون عربي سيتحملون تبعاتها في يومهم وفي غدهم، وعلى الأخص في غدهم.
ومفجع هو تساؤل المواطن العربي: ترى ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأميركية؟! وأين وكيف تراه سيكون الرد الإسرائيلي، أو بالأحرى اقتناص إسرائيل للفرصة السانحة التي أتاحتها هذه السابقة الخطرة، من أجل توجيه ضربتها الجديدة إلى مجموع الأمة؟!
… مع التنويه بأن المشروع الإسرائيلي للتوسع قيد التنفيذ الآن، تحت بصر القيادات والمرجعيات الرسمية والأنظمة العربية جميعاً، بمن فيها ذلك النظام الذي ورط الأمة في حربين، حتى الآن، في غير الميدان الصحيح، وعلى حساب القضية الأصلية.
… بغير أن يعني هذا الكلام اعتبار حكام الكويت “ضحايا بريئة” لجموح صدام حسين، ولكن: من تراها الجهة التي تحاكم وتحاسب وتدين وتنفذ، باسم الأمة وليس باسم مزوري إرادتها؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان