عندما ترمى تماثيل لينين كالنفايات، وتحطم شعارات “الثورة الاشتراكية العظمى” في بلد المنشأ، الاتحاد السوفياتي، يصبح بديهياً أن يفاجراسحق شامير بتاريخه كإرهابي وبالسجل الدموي الحافل لعصابة “شتيرن” التي تحتفل الآن بعيد “ميلادها” الحادي والخمسين.
إنه زمن انطفاء الثورات وسقوط رايات الكفاح المسلح واندثار العقائد والايديولوجيات السياسية التي غيرت وجهة التاريخ، مع بدايات هذا القرن، وابتنت عالماً جديداً على أنقاض العالم القديم الذي كان قد فقد مقومات وجوده واستمراره وأهليته للحياة.
وفي حين يروج للنظام العالمي الجديد بوصفه إطار حماية “الشرعية الدولية” و”حقوق الإنسان” وأساسها الحريات والديموقراطية، لا يتورع أحد رموز الانتفاع بهذا النظام الجديد عن تصنيف الإرهاب نوعين: “إرهاب مشروع” كالذي مارسه هو (شامير) وبعض قادة الحركة الصهيونية لإقامة إسرائيل على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، وإرهاب غيرمشروع (!!) كالذي يمارسه الفلسطينيون لاستعادة أبسط حقوقهم (كبشر) في أرضهم.
فاغتيال اللورد موين، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط العام 1944، ومن بعده اغتيال الكونت برنادوت وسيط الأمم المتحدة للسلام في العام 1948، وبينهما سلسلة المذابح المنظمة في مختلف أنحاء فلسطين ضد النساء والشيوخ والأطفال… كل ذلك إرهابمشروع تراه العين الغربية “تحريراً لأرض فلسطين” لتمكين يهود الشتات من العودة إلى “أرض الميعاد” التي وُعد بها “شعب الله المختار”.
أما شعب فلسطين فممثلوه، في الداخل والخارج، “إرهابيون” سواء اتخذوا اسم منظمة التحرير أم اسم “الانتفاضة”، يرفض بناة النظام الجديد أن يعترفوا به وبهم وبالحقوق البديهية للملايين من أبنائه ممن رماهم “الإرهاب الشرعي” في الشتات وحرمهم من العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم، بل وحرم من تبقى منهم من البقاء فيها أيضاً وأخليت منهم لاستقدام المزيد من يهود القارات الأخرى (أوروبا وأفريقيا) وليس فقط الدول الأخرى.
ويبدو إن الولايات المتحدة الأميركية تقر التصنيف الإسرائيلي للإرهاب وتدعمه، وآخر أسباب الدعم هذه المليارات العشرة من الدولارات المخصصة لمساعدة إسرائيل على إيواء المستقدمين الجدد من الفلاشا واليهود السوفيات واليهود اليوغسلاف الخ ودائماً في الأرض العربية المحتلة.
وبمنطق “الإرهابي الشرعي” يرفض شامير تأجيل دفع هذه الأموال إلى ما بعد انعقاد “مؤتمر السلام” الذي يقام أصلاً لتلطيف آثارإرهابه المتواصل منذ 51 سنة!
وبمنطق النظام العالمي الجديد المعقود اللواء للولايات المتحدة الأميركية فإن اشتراك “بعض الفلسطينيين” في المؤتمر العتيد، ما زال قيد الدرس، برغم اجتهادهم المبالغ به من التبرؤ من الارهاب واستخدام العنف والقذف بالحجارة أو حتى بالكلمات المؤكدة لوجود أرض اسمها فلسطين وشعب يحمل هويتها وتحمل تاريخه وأنفاسه وأجداث موتاه.
ولقد أذهل جيمس بيكر “أصدقاءه” العرب حين وافق على اللقاء بنفر من الفلسطينيين في الشطر الشرقي من القدس (أي القدس العربية)، فرأوا في هذه الموافقة منة وجميلاً لا ينسى، ولا يهم بعده أن تنسى القدس ذاتها أو فلسطين كلها!
القومي العربي إرهابي، العربي المسلم إرهابي. الوطني المطالب باستقلال بلاده وسيادتها إرهابي. “الليبرالي” المطالب بتحرير اقتصاد بلاده إرهابي. المعترض على الهيمنة الأيمركية إرهابي. ورافض التغرب والتهجن ونسيان أصله “متطرف” و”متعصب” و”إرهابي”. المناقش حق الفلاشا الأثيوبي في أن يصادر بيت غسان كنفاني في عكا “إرهابي”.
لكأن النظام العالمي الجديد يضيق بالجنس العربي، بالعنصر العربي، باللسان العربي، وصولاً إلى “المزاعم العربية” عن حقوق ما، أية حقوق لسمر البشرة ممن ينطقون بالضاد.
و”مؤتمر السلام” هو بعض عناوين هذا النظام العالمي الجديد، فتصور أية حقوق سيستخلصها العرب عموماً، والفلسطينيون بالذات، منه.
أترانا بهذا السؤال البريء قد ارتكبنا جرم الارهاب غير المشروع؟!
العفو أيها السادة… وتسامحوا في اعتبار هذا الكلام “المركب” خرفاً، كما تسامحتم مع جنرال الحربين ميشال عون، حفظكم الله ونفعكم ببركاته.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان