كمن هزه الطرب هتف أهل بيروت مع الصباح الباكر: الله!
كان دوي الرعد يهز جنطبات، بل إعطاف المدينة – الأميرة، ويسافر إلى البعيد متخطياً زمن الحرب، ثم تستعيد الإذن رجع صداه فتملئ النفس نشوة وتهتف من جديد: الله!
تهسهس قطرات المطر وتتقافز عابثة بصور الزمان الذي يوشك أن ينصرم: تنقر قطرة عين “الشبيح” الذي روح الحي ثم نعاه تنظيمه حين قتل بلقب “البطل الشهيد”، وتقصد قطرات أخرى صورة رجل ذي لحية كثيفة… تتسلل عبر الألوان فتسيحها معطية للوجه ملامح مخلوق خرافي، هبط لتوه من كوكب آخر!! أما القطرات الأكثر لؤماً فقد اقتعدت شعاراً فخم العبارة عظيم النفاق، فمسحت النقاط وحدود الأحرف كاشفة صافي نفس ناظمي الشعار!!
تجمع المطر في ما تبقى من الأرصفة، وجرى سواقي صغيرة على جوانب الطرق يحاول أن ينوب عن بلدية مدينة بيروت الممتازة في التنظيف. حجزت القمامة السواقي واستمر المطر فشق الماء طرقاً جديدة جارفاً معه إعلانات السينما وقشر البيض والمعلبات ودعايات لبعض المسرحيات وصوراً لبعض الزعماء و”اللوغو” أو العلامات المميزة لبعض الأحزاب والعديد من اللافتات المتعددة الأغراض: بعضها يروج لنوع معين من مولادات الكهرباء، وآخر لأنواع من البطاريات والقناديل اليدوية. وبعض ثالث لأصناف من المياه “المصنفة” معدنية، وبعض رابع لماركة أحذية… ومعها أوراق نعي ودعوات لإحياء ذكرى الأسبوع أو الأربعين أو الألف سنة للفقيد الغالي.
دخلت الأميرة الحمام لتغسل أدران سنوات الحزن واليتم والقهر. كلهم ألقوا عليها نفاياتهم، قذائفهم، صواريخهم، شعاراتهم، صورهم، أكاذيبهم، حواجزهم، رصاصهم الفارغ، ومضوا مع ظهور “السوخوي صبيحة ذلك اليوم الأغر: 13 تشرين الأول.
بعد “السوخري” صارت زخة مطر واحدة تلقى لمسح بعض عهدهم عن جدرانها المتصدعة والمثقوبة أو المبقورة الجنبات… ولإنعاش الورد في الأصص والياسمين الذي عربش على الحرب وسمقت شجيراته إلى فوق تستشرف زمن السلام.
شق البرق كبد الظلمة. انكشفت العورات، تشوشت صور “القادة” على الشاشات الصغيرة فبدت أقرب إلى الحقيقة، لو انطفأ التلفزيون لانطفأوا. هم عليها بالحجم الطبيعي وبالألوان الطبيعية، حولت الحرب الشعب إلى جمهور مقعد أمام الأجهزة التي تحمل له إنذاراً مفتوحاً بالموت لكي يحيا الزعيم صاحب التلفزيون أو “محتله” أو “مستعيره” أو “سارق” أقنيته وبرامجه بالمونة على الدولة والأرض والشعب والمؤسسات في الأرض والفضاء.
ألسنا نحن من سرق الفضاء؟! ألسنا أبرع ممن “خرم التعريفة”؟!
“بيروت الكبرى” حدودها خط المطر. تكبر بقدر ما تستحضر الدولة ذاتها، ولست الدولة غيمة عابرة تسح قليلاً من الخير ثم تنام كمن أدى قسطه للعلى.
الدولة قرار له مضاء ومض البرق وقعقعة الرعد ونتاجه خير المطر.
الأميرة في الحمام، تغتسل وتغتسل والمطر قليل بعد،
من يحضر الماء للأميرة؟! من ينير قصر الأميرة؟ من يزيل الألغام من طريق الأميرة؟ من يملأ بالفرح قلب الأميركية لكي تستعد لعرس السلام الآتي؟!
جادك الغيث إذا الغيث…
إذا الغيث، إذا الغيث، إذا الغيث،
ولكن من يفتح الاعتماد للغيث؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان