مرة أخرى يثبت الرئيس الأميركي جورج بوش أنه “البطل الوطني لبلاده”، بقدر ما هو “القيصر” في النظام العالمي الجديد.
ومع الاعجاب بهذا الموقف الشجاع للرئيس الأميركي فمن الخطأ الفادح أن يعتبر “العرب” أنفسهم شركاء فيه، بافتراض أن بوش هو “محررهم” و”بطلهم”، أو أنه قد انتصر بهم أو لهم على “عدوه” وعدوهم المشترك: الإسرائيلي!
فالمعركة بحت أميركية، باستهدافاتها وشعاراتها ولغتها القاطعة بوضوحها،
بل إن جورج بوش كان حريصاً، وهو يتصدى لمبالغة إسرائيل في طلباتها المكلفة، أن يؤكد ما هو مؤكد: “ليس هناك اتفاق بين وبين العرب” وإنه “لا يعمل لخدمة الطرف الأخر”، وأن “تأجيل الطلب الإسرائيلي يهدف إلى تفادي مناظرة مضرّة يمكن أن تقضي على قدرتنا لجلب طرف أو آخر إلى طاولة المفاوضات”.
أكثر من هذا، فإن بوش حاول أن يثبت أنه يتصرف من موقع حامي إسرائيل الفعلي: أفلم يعرّض الجنود الأميركيون حياتهم للخطر من أجل الدفاع عن إسرائيل ضد صواريخ سكود العراقية؟!
وبصيغة لا تحتمل التأويل (عربياً) يعلن جورج بوش أن بلاده – أي الولايات المتحدة الأميركية – قد حققت هزيمة العدو الأكثر خطراً على إسرائيل… وهو هنا لا يعني صدام حسين، أو حتى العراق وحده، بل إن الكلام يمكن أن ينسحب على “العرب” جميعاً، بمن في ذلك أولئك الذين توهموا إن الرئيس “الأميركي” إنما حرّك أساطيل بلاده وجيوش حلف الأطلسي “لتحريرهم” ليس إلا.
لا موقع لحليف في “النظام العالمي الجديد”. القيادة للقائد وحده، وكذلك قرار الحرب والسلم.
لا ألمانيا (الغربية ثم الموحدة) استحقت مرتبة الحليف، ولا اليابان، ولا طبعاً فرنسا ذات الادعاءات الاستقلالية… أما بريطانيا فقد ميزت نفسها بدور “الخبير” أو “المستشار” تاركة القرار لصاحب القرار على أن تنالها حصة من الأرباح شأنها شأن “بيوت الخبرة”.
وإسرائيل التي تحوّلت – عبر الهزائم العربية – من “محمية” إلى “رأس حربة للمشروع الغربي في المنطقة العربية” كما في العدوان الثلاثي سنة 1956، فإلى “قوة إقليمية كبرى” لها مشروعها الخاص داخل المشروع الغربي (الأميركي) بعد هزيمة 1967، تطلعت إلى موقع “الحليف” وكادت تناله فعلاً في أعقاب حرب 1973 والاستخدام المحدود للنفط العربي كسلاح، ثم بعد انفجار المد الإسلامي بثورة الخميني في إيران، ودائماً في ظل توازن الرعب النووي بقطبه الثاني: الاتحاد السوفياتي.
وإلى اليوم، فإن الولايات المتحدة الأميركية ترتبط مع إسرائيل بتحالف استراتيجي تحت عنوان “مذكرة التفاهم الاستراتيجي” التي وقعت في العام 1981، وبينما المد الإسلامي في ذروته، وفي اللحظة التي كان الاتحاد السوفياتي على وشك الخروج من حالة الشلل التي أصيب بها في السنوات الأخيرة لحكم بريجنيف.
لكن الانهيارات التي توالت عربياً، وفي المعسكر اشتراكي سابقاً، ثم في الاتحاد السوفياتي نفسه، ومعها المعطيات التي بلورتها “حرب الخليج”، دولياً، قد أنزلت كثيراً من مرتبة إسرائيل ودورها في الاستراتيجية الأميركية لعصر “النظام العالمي الجديد”.
“لقد استيقظت الآن”، يقول جورج بوش.
ولأنه استيقظ فقد وقف “وحيداً وصغيراً هنا في مواجهة ألف شخص يمارسون أعمال اللوبي (لحساب إسرائيل) في الكونغرس”.
إنها معركة الزعامة الأميركية الكونية، وليست معركة إحقاق الحق ونصرة العدالة في فلسطين أو في سائر الأرض العربية.
فإسرائيل تتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، وتحاول صياغة السياسة الخارجية الأميركية.
إنها تواجه الرئيس، ومن داخل الكونغرس، وفي قلب إدارته.
لذا توجه بوش إلى “الوطنية الأميركية” ليس لكي يستعديها على إسرائيل، بل لكي تسانده في معركته ضدها لمنعها من أن تكون “الرئيس الثاني” أو ربما “الأول”، أو “الشريك في القرار” أو المعطل لقرار تمليه المصالح الأميركية المباشرة وأبرز تجلياتها في النظام العالمي الجديد.
هو من يعطي إسرائيل وليست هي من يفرض إسرائيل.
حتى مصلحة إسرائيل يقررها هو، ولا تبتزه فتملي إرادته عليه باسمهاز
إنه يكرر معها تجربة ديغول الذي رأى أنه لا بد أحياناً من أن “ننقذ إسرائيل من نفسها”.
لا أحد يخوض معركة أحد بالنيابة أو بالوكالة أو بالتكليف أو بالارتزاق، كما وصف بعض العرب “محررهم” ذات يوم قائلين: “الأميركان حررونا بفلوسنا”!
وعظيم أن يصفق العرب لجورج بوش وهو يخض معركة الوطنية الأميركية في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية، والتدخل الوقع في الشؤون الداخلية لأعظم قوة في الكون.
ولكن… من تراه يخوض معركة “الوطنية العربية” وأيضاً في مواجهة إسرائيل، مع فارق أن بوش يدافع عن كرامة موقعه وعن مصالح بلاده (وضمنها مصلحة إسرائيل)، في حين إن العرب يدافعون – إن هم دافعوا – عن وجودهم ذاته ومستقبلهم ومصير أرضهم وأجيالهم الآتية.
أليس بين “العرب” الأميركيون من يقول: “لقد استيقظت الآن”، ولو من باب التيمن ببطل الوطنية الأميركية، بطل تحرير “العرب”، جورج بوش؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان