حَصّن الاحتلال الفتنة الداخلية في البلد المحتل،
وأفصح ما يكون الاحتلال حين يتحدث عن سيادة “الدولة” التي يحتلها فيلغي عسكره سيادتها “ببساطيرهم”،
ولقد استعار منسق أنشطة الاحتلال الإسرائيلي، أوري لوبراني، يوم أمس، بعض شعارات الانعزال اللبناني وهو يتحدث عن حرصه على كرامة الكيان وعنفوان الكيانيين.
استذكر لوبراني، مثلاً، كامل مساحة الأرض اللبنانية أي 10452 كلم2، وكان أول من استخرجها فطرحها للتداول بشير الجميل، الذي حملته حراب الاحتلال الإسرائيلي إلى موقع حامي السيادة والاستقلال والكيان والعنفوان.
على أن الحيثيات التي استخدمها في تبرير الاحتلال تظل هي الأطرف،
*قال لوبراني:
“إن النار ستبقى تحت النار في الجنوب، طالما لم تقم الشرعية باحتكار حرية الحركة وحمل السلاح والوجود المسلح لنفسها فقط، أي للجيش اللبناني، ليصبح بسط الشرعية واقعاً حقيقياً”.
… كأنما ثمة من منع الجيش اللبناني من التقدم في اتجاه الحدود الجنوبية غير الاحتلال الإسرائيلي،
أو كأنما نسي الناس، في الداخل والخارج، حكاية جزين ومنطقتها، وقد توسطت الحكومة اللبنانية الشرق والغرب، والمرجعيات العظمى، أي واشنطن والفاتيكان، فلم تلق غير النصح بأن ترجئ ممارسة “سيادتها” على هذه البقعة من أرضها، وعلى هذا الجزء من شعبها الواقع “نظرياً” خارج “الشريط المحتل”.
أو كأنما ثمة قوة أخرى غير الاحتلال الإسرائيلي منعت قوى الأمن الداخلي من الدخول، كما منعت المواطنين من الخروج من “الشريط المحتل” كممارسة حقهم الانتخابي قبل شهرين تقريباً.
*وقال أوري لوبراني، وهو رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض في واشنطن كتتويج لدوره في تنسيق أنشطة الاحتلال:
“إن التواجد الإسرائيلي المحدود (؟!) في الشريط الحدودي ليس هدفاً بل نتيجة فرضها الوجود والنشاط الإرهابيين في الجنوب”!!
لعل لوبراني يتحدث عن وجود الأهالي،
فالطارئ هو الاحتلال، والمقاومة – في البداية والنهاية – ولدت رداً على الاحتلال الإسرائيلي ولم تستولده. وإذا ما سلمنا جدلاً بأن الإسرائيليين احتلوا المنطقة في العام 1978 ليطردوا منها المقاومين الفلسطينيين، فلماذا بقوا وتمركزوا وتمددوا فيها بعد إخراج رجال المقاومة الفلسطينية من لبنان كله (في العام 1982)؟! ولماذا هم هناك حتى الآن، برغم قرارات مجلس الأمن التي تزامنت مع اجتياحهم قبل أربع عشرة سنة؟!
*وقال لوبراني، مكرراً المعزوفة الإسرائيلية الدائمة والمثيرة للسخرية:
“ليس لإسرائيل أية مطالب من لبنان، لا في الأرض ولا في الموارد (المياه)، وهي تعلن اعترافها بالـ 10452 كلم2”!!
*لكنه سرعان ما يربط هذا “الوجود المحدود” بهدف سياسي محدد، المعاهدة، إذ يقول:
“إن إمكان إعادة الانتشار يأتي في إطار معاهدة سلام بين البلدين، وهي هدف المحادثات مع دول الطوق والفلسطينيين”.
… والمعاهدة، كما يعرف الجميع، تتضمن التطبيع الكامل وتقاسم خيرات الأرض ومواردها، كما إنها – بالتجربة – تسقط السيادة وتلغي الاستقلال وتحول لبنان إلى محمية إسرائيلية وظيفتها استنزاف العرب عموماً بدءاً بسوريا،
كذلك فإن القبول بمنطق “مؤتمر السلام” جاء من خارج واقع الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وبعض البقاع، بافتراض أن القرار الدولي الرقم 425 يعالج هذا الأمر بشكل منفصل وحاسم بنصه الصريح على “انسحاب فوري وغير مشروط”.
وهكذا يتضح لمن التبس عليه الأمر بداية، أو يلتبس عليه حتى اليوم، إن إسرائيل هي التي “تربط” لبنان بما يسمى “أزمة الشرق الأوسط”، وإن المحاولات البائسة للفصل بين الموضوعين هي – في أحسن الحالات – اجتهادات حسنة النية لكنها كسيح.
ثم إن لوبراني يتجنب كلمة “انسحاب” مكتفياً بتعبير “إعادة انتشار”، كأنما هو في أرضه وبين أهله، أو كأنما “مؤتمر السلام” هدفه تأمين الراحة لجيوش الاحتلال الإسرائيلي حيث هي: في فلسطين أو في لبنان أو في الجولان السورية.
*طبيعي والحالة هذه أن يعكس لوبراني الآية فيرى أن المقاومة تعمل على ترسيخ الوجود الإسرائيلي في الشريط الحدودي، مطلقاً تهديداً بمزيد من الاحتلال إذ يضيف “وربما أكثر من ذلك”!
ومرة أخرى فإن المحتل يرى احتلاله هو المنطقي والشرعي ويستهول أن يقاوم أهل الأرض من يهدد وجودهم فوقها، ومن يعمل فيهم تقتيلاً وترويعاً.
*على أن ذروة الطرافة والاستهبال تتجلى في الاستنتاج الأخير للوبراني إذ يقول: “نطمئن وزير الخارجية فارس بويز أن إسرائيل لا تحاول فرض واقع سياسي جديد…”
كأنما هذا الواقع السياسي الجديد غير قائم،
أو كأنما نتائجه على الأرض، وعلى القرار، بحاجة إلى إبراز أو توضيح!
فأما الفتنة فحدث عن المحاولات لإثارتها ولا حرج،
إن “حزب الله” في نظر لوبراني “فئة أجنبية”، وهي مانعة للسلطة، وقامعة للشرعية ومعطلة للسيادة التي … يحققها الاحتلال الإسرائيلي!
إن لوبراني يريد أن يستقبل اللبنانيون الاحتلال بالورود والرياحين ورش “الرز” على دباباته وهي تجتاح منازلهم وتهدمها على رؤوس أطفالهم!
المهم…
إذا كانت إسرائيل مسلمة بسيادة لبنان واستقلاله والمساحة الكاملة لأرضه 10452 كلم مربع،
… وإذا كانت لا تطمع في أرضه ولا في موارده الطبيعية، والمياه على وجه الخصوص،
… وإذا كانت لا تريد فرض واقع سياسي جديد،
فلماذا إذاً التفاوض في واشنطن، بل على ماذا يدور التفاوض؟
ولماذا إذاً القصف والنسف والعسف في الجنوب والبقاع الغربي وصولاً إلى القرار السياسي في بيروت؟
وإذا كان هذا هو لسان حال الدبلوماسي المفاوض فما أسهل لغة النار والبارود!
…ولكنها على حد كبير من العرب “محادثات التصفية”، أو مفاوضات الإذعان، وحتى الكلام فيها أصعب على النفس من الرصاص المتفجر!
أعان الله سهيل شماس!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان