ليس لاتفاق الطائف حزب لبناني، لكن في لبنان “حزباً” ينادي بإسقاط الطائف.
وليس اتفاق الطائف وجهة نظر عربية في المسألة اللبنانية، إنه القرار العربي ومشروع الحل العربي للمسألة اللبنانية، وهناك “حزب” عربي يشاغب على اتفاق الطائف لأغراض وأحقاد معظمها معلن ومعروف.
كذلك هو الأمر على المستوى الدولي، فاتفاق الطائف هو المتبنى والمعتمد دولياً وغيره مرفوض، وإن كان ثمة “حزب” متشدد يناكف هذا الاتفاق ويحرمه من نعمة مباركته.
لكن الاتفاق يحتاج إلى ما يتعدى الدعم المعنوي، السياسي والدبلوماسي، على أهمية هذا الدعم وخطورته.
إنه يحتاج من “أهله” في الداخل الالتزام به والتعجيل في تثبيته في صلب الدستور (والممارسة اليومية) بإقرار التعديلات الدستورية المطلوبة.
كذلك فهو يحتاج من الحكم الذي جاء باسمه مزيداً من الجدية والحزم والعمل الدؤوب والجاد، والتماسك، والتصدي الشجاع لقيادة البلاد بالهجوم الكاسح على التقسيميين والخارجين على الشرعية والمترددين والمقصرين.
يحتاج من هذا الحكم ممثلاً بمجلس الوزراء مزيداً من الإنجاز، إن على صعيد معالجة الهموم اليومية أو على مستوى الإعداد لمواجهة حاسمة مع ممزقي وحدة البلاد ومغتصبي مؤسساتها وإداراتها، أموالها وحقوقها الطبيعية.
ثم إنه يحتاج من اللجنة العربية العليا المزيد من الرعاية والمزيد من الدعم المباشر والمحسوس.
إنه يحتاج ، مع السياسة، شيئاً من اكسير الحياة.
ويحتاج، مع الدبلوماسية، شيئاً من الأوكسجين حتى لا يختنق بالعجز أو ببؤس أوضاعه المادية.
إن معالجة أوضاع بلد منكوب لا تتم بالصلوات والدعوات الصالحات وبيانات التأييد، بل بالمبادرة إلى إرسال النجدات الفورية على شكل مساعدات عينية و”هبات” نقدية لتلبية الاحتياجات الملحة والتي لا يمكنها أن تنتظر تقارير اللجان المختصة المكلفة لتخمين الأضرار ومن ثم التعويضات اللازمة.
قبل إعادة البناء هناك مهمة الإنقاذ، وهناك أيضاً مهمة تحصين ما هو قائم حتى لا ينهار فيزيد من عدد المنكوبين ومن حجم الكارثة.
واللجنة العربية العليا، بالملكين المغربي والسعودي والرئيس الجزائري، تعرف حقيقة الأوضاع التي خلفتها (وما زالت تخلفها) حروب لبنان العديدة والمتواصلة.
تعرف مثلاً إن صندوق “الشرعية” شبه فارغ، مما يشل فاعلية الحكم وهو يحاول إنجاز الضروري والعاجل من مهماته الأولية في سياق “هجوم السلام” العتيد،
وتعرف أيضاً إن “جيش الشرعية” يكاد يكون بلا سلاح، إضافة إلى كون جنوده بلا ملابس وبلا أحذية تقريباً… والسلاح مكلف جداً، والتجهيز يكلف مبالغ طائلة، وبهذا فإن الإعداد السريع لهذا الجيش المطالب بحماية الشرعية وتوطيد أركانها لا يمكن أن يتم إلا بتدابير (ومساعدات) استثنائية وفورية ومؤثرة.
وتعرف أيضاً وأيضاً إن إدارات الدولة والمؤسسات والهيئات المولجة بالخدمات مفككة ومبعثرة وممزقة، وإن ما هو تحت تصرف الشرعية منها عاجز عن تنفيذ الحد الأدنى مما هو ضروري… لضيق ذات اليد!
ينطبق هذا على وزارات الصحة والهاتف والموارد والأشغال والإسكان وعلى مؤسسات الكهرباء والمساعدات الاجتماعية، بقدر ما ينطبق على أجهزة الأعلام الرسمي من إذاعة وتلفزيون ووكالة وطنية وخدمات صحافية وإعلامية في الداخل والخارج.
وإذا كان جنرال الحرب، يملك عشرات الملايين من الدولارات، كما كشفت الفضيحة المالية التي نشرتها بعض الصحف الفرنسية، وكما ذكر هو شخصياً، في مجموعة من المصارف الأوروبية والأميركية والمحلية، يتصرف بها وفق هواه متى شاء وحيث شاء ولمن شاء.
وإذا كانت هذه الملايين قد جاءته من “تبرعات” الدول أو الأفراد الذين لهم ثقة به شخصياً من دون غيره.
وإذا كان يملك ما يمكنه من تهديد الدولة والشرعية وحكم اتفاق الطائف، ومن يدعمه ويرعاه، بإعلان استقلاله المالي،
… فلا أقل من أن يكون بتصرف الدولة والشرعية وحكم اتفاق الطائف من الإمكانات المادية من وسائل الدعم الحسي ما يمكن هذه الدولة من الوقوف على قدميها، ومن أداء واجباتها الطبيعية تجاه شعبها الذي يزداد فقراً، مع كل مطلع شمس، بغير أن تلجأ إلى لعبة لحس المبرد بالمضاربة بالدولار الأميركي على ليرتها المنهارة.
لقد أوفد مجلس الوزراء على سبيل المثال، وزير المالية الدكتور علي الخليل إلى مسقط، إبان انعقاد القمة العاشرة لمجلس التعاون الخليجي، فشرح لمن استقبله من المسؤولين العرب، وبالتحديد للملك فهد بن عبد العزيز للسلطان قابوس، حراجة الوضع المالي للدولة اللبنانية وشرعيتها.
ومؤكد إن الدكتور الخليل قد ذكر من استقبله من المسؤولين العرب بالمساعدات المستحقة للبنان منذ قمة تونس، والبالغة قيمتها ما يزيد على مليار وستماية مليون دولار.
فلماذا لا تبادر اللجنة العربية العليا، مشكورة، إلى السعي لدى الدول العربية المعنية لكي تدفع، أو تباشر دفع أنصبتها في هذه المساعدات، سيما وإن اللجنة نفسها تضم دولتين معنيتين بهذا الأمر.
بل لماذا لا تكون هاتان الدولتان سباقتين في هذا المجال،
وإذا كانت أوضاع الجزائر الاقتصادية لا تسعفها في دفع المتوجب نقداً، وعلى الفور، فيمكنها أن تقدم الكثير من المساعدات الحيوية والتي لا بد ستشترى من مصادر أخرى.
بل لماذا لا تبادر السعودية ولو منفردة بدفع مساعدة عاجلة على حساب المساعدات، في انتظار استكمال المساعي مع الدول الأخرى لكي تؤدي التزاماتها… شبه المنسية.
إن اتفاق الطائف بحاجة إلى أسنان حتى يرهبه المتآمر عليه، وبحاجة إلى قدمين يقف عليهما،
كذلك فاتفاق الطائف يجب أن يصل إلى الناس على شكل إنجاز مادي ملموس، يجلب لهم الخير والكرامة ويرفع عنهم ذل الحاجة، بقدر ما يبعد عنهم شبح الحرب والموت والدمار، ويقربهم من عصر السلام ومن حلم الوطن.
لا يحتاج اتفاق الطائف إلى رشوة لتسويقه،
ولكنه إنجاز عربي مهم وخطير، ولا يجوز أن يتهاون أي عربي في حمايته وتأمينه وتقديمه إلى اللبنانيين في صورته الأبهى والأزهى:
إنه ليس وعداً بالخبز، بل هو الخبز،
وليس تعهداً غامضاً بالمساعدة غير المحددة بمكان وزمان وقيمة، بل هو مصدر المساعدة،
وهو ليس ثميناً بقيام الدولة، بل هو إسهام عربي فعال في قيام دولة كل اللبنانيين على أرض لبنان بمساحتها الكاملة.
إن الحرب لا تتوقف بالنوايا الطيبة،
والخروج من الحرب قد يكون أغلى كلفة من التورط فيها،
ونحب أن نفترض أن اللجنة العربية العليا قد حسبت لهذا الأمر حسابه، ولذا فنحن نذكر بضرورة الإنجاز لعل الذكرى تنفع المؤمنين..
بالطائف واتفاق الطائف.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان