تختزل الجامعة اللبنانية بواقعها البائس ومستقبلها المهدد تخلف النظام الطوائفي ومجافاته للحد الأدنى من الطموحات المشروعة لأي شعب ولأجياله الجديدة تحديداً وهي تسعى نحو غد يليق بكرامة الإنسان.
إن واقعها المتردي صورة طبق الأصل لما يُراد أن يكون عليه شباب لبنان: فإما العلم في الجامعة الأجنبية أو الطائفية الغالية الأقساط وغير المحكومة بمنهاج وطني عام يوحّد ولا يفرّق ويختصر الطريق إلى العصر ويساعد على تخريج جيل ذي أهلية عالية وقادر على المساهمة في زيادة الإنتاج وتطويره، وإما زيادة أعداد العاطلين عن العمل من حملة الشهادات في فروع هي خارج دائرة الانتاج وباختصاصات »بائدة« لا تنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة!
وربما كان من حق أي طائفة أن تبني جامعتها الخاصة، في بلد تزدهر فيه تجارة الطوائف في الحكم كما في المنافع والمصالح وصولاً إلى العلم كطريق إلى المستقبل الأفضل، ودائماً لكل طائفة على حدة… ولكن الحاصل أن الجامعة الوطنية هي وحدها الجامعة اليتيمة بل والمنبوذة والتي تخضع لعقاب مفتوح يمتد من موازنتها إلى حرمها الموحد فإلى هيئتها التعليمية ومجلسها ورئاستها ويتركز على جيش طلابها اللجب الذين ينتسبون إليها بالحاجة أكثر من الرغبة، فيحشر الآلاف في مبان ضيقة وغير لائقة، ليدرسوا ما لا يفيدهم في غدهم ويحرم وطنهم من الإفادة من طاقاتهم الواعدة.
إن هذه المؤسسة الوطنية التي خاض شباب لبنان نضالاً مريراً من أجل قيامها ثم من أجل تعزيز مستواها الأكاديمي تخضع لتخريب منهجي متواصل ومتعمد منذ ما قبل انفجار الحرب الأهلية.. وهو تخريب تشارك فيه السلطة بمختلف فروعها والمؤسسات الطائفية على اختلاف تلاوينها، والمرجعيات والزعامات السياسية باشتباكاتها المفتوحة على المواقع والمنافع العامة.
لكأنما تتلاقى الجهود جميعا على الجامعة لتدميرها وشطب دورها الوطني الجامع والموحد.
ولقد تواضعت الأحلام والتمنيات فلم يعد أحد يطالب مجرد مطالبة بمراكز أبحاث أو مختبرات أو مراكز دراسات توفر مناخا أكاديميا رصينا وتفتح الباب أمام العقول لتعطي وتبدع في بلادها بدل أن تهاجر لتنتفع بها بلاد الغير، بل صار الهم عدم انحدار الجامعة إلى مستوى »ثانويات« يحتشد فيها الفقراء ممن لم يجدوا »مأوى« آخر لأحلامهم وشوقهم إلى العلم، فيدرسون عبثاً ثم يخرجون إلى الفراغ ليرتموا على أبواب الشفاعات من أجل تأمين عيش الكفاف ليس إلا.
ولقد تخطى النقاش، منذ حين، مستوى الخريجين ليتناول مسوغات تعيين الأساتذة والعمداء ومن ثم الرئيس ومعه مجلس الجامعة..
ولعل الفرصة متاحة الآن والبحث جار لتعيين رئيس جديد، واختيار مجلس جديد للجامعة، من أجل إصدار »عفو خاص« عن هذه المؤسسة الوطنية التي تتعرض لتخريب منهجي متعمد ومتواصل ومبرر بأسباب طائفية!
إن تعيين رئيس جديد للجامعة الوطنية سيكون أحد أمرين: إما إعلان وفاة وإما البشرى بولادة جديدة لهذه المؤسسة التي يحتشد فيها حوالى ثمانين ألفا من شباننا وشاباتنا، والتي يعلّق عليها بعد كل اللبنانيين آمالاً عراضاً في أن تساعد على توفير مستقبل أفضل لأبنائهم.
والتمني أن نستطيع مرة، وفي مثل هذا المجال الفائق الأهمية، أن نغلّب المصلحة العامة في قيام جامعة وطنية تفتح باب الأمل أمام جمهور الفقراء ومتوسطي الحال من شباب لبنان، وتنهي حالة التشرذم والضياع والانسياق أمام دعوات الانقسام الطائفي والمذهبي بما يمهّد لحرب أهلية جديدة وانطلاقا من مراكز التعليم العالي وطلابها وليس من الشارع وأبنائه التائهين..
أما إذا ساد، مرة جديدة، جو المساومات والمناقصات والمزايدات الطائفية والمذهبية، فإن كل المعنيين سيتهمون بأنهم قد وجهوا رصاصة الرحمة إلى هذا المشروع الوطني الجليل، ليفتحوا باب الجهل على مصراعيه أمام من يفترض أنهم يساعدونهم على تحسين مستواهم واللحاق بالسابقين إلى التقدم.
أعطوا الوطن جامعته الجامعة وخذوا كل الوظائف العليا والإدارات السامية والمناصب ذات الدخل العالي وبالدولار.
ومع أن الأمل ضئيل في »تحييد« هذا الموقع وإخراجه من »سلة« التعيينات التي يحكمها منطق مواقع النفوذ، فلا بأس من تنبيه من يعنيهم الأمر إلى أن إساءة التصرف أو الاختيار هنا سيكون خطأ سياسيا خطيرا إضافة إلى كونه جريمة بحق الوطن.
لتعط الكفاءة فرصة يتيمة لتسهم في بناء الجامعة الموحدة… وليتذكر الجميع أن التعيين هو حكم على صاحب القرار قبل أن يكون حكماً ضد من سيقع عليه الاختيار!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان