يحتاج اللبنانيون إلى ماسحات للذاكرة تعمل بلا توقف لكي يستطيعوا إكمال المشوار مع رؤسائهم ووزرائهم وكبرائهم إجمالاً.
فهم يسمعون منهم اليوم ما ينقض كلام الأمس، ثم يسمعون غداً ما يسفه منطق اليوم والأمس.
ما هو حلال الآن قد يصبح حراماً بعد ساعات، وما هو مرفوض قبل الظهر قد يصبح مطلباً في المساء، والقاتل قد يصبح بطلاً الخ.
ذلك إن عقول عظماء السياسة اللبنانية لا تتوقف عن النمو والتطور والإبداع واستكشاف الآفاق المرصودة.
ولما كان اللبنانيون بطيئي الفهم، ويحتاجون إلى كثير من الوقت والجهد والإثباتات لكي يصدقوا ما يقال لهم، فإنهم يعجزون عن اللحاق بالفكر الخلاق لقياداتهم الفذة المتجددة باستمرار والمتحولة دائماً عملاً بقانون النشوء والارتقاء.
ربما لهذا تتسع المسافة يومياً بين الحاكمين والمحكومين في لبنان،
وربما لهذا أيضاً تتسع المسافة، كل ساعة، بين كلام الحاكمين وأفعالهم، بل بين كلامهم وكلامهم، لأن الأفعال هي في الغالب جمل غير واضحة أو مجتزأة أو مشوشة بحيث قد يفهم منها عكس المقصدو بها.
فإذا شئت السلامة والصحة وطول العمر، عليك أن تتبع التعليمات التالية:
– عليك أن تسمع ثلاث إذاعات أو محطات تلفزيونية على الأقل، وأن تقرأ ثلاث صحف على الأقل، بحيث تلغي القراءة السماع أو العكس بالعكس فلا يبقى في ذاكرتك ما يؤذيك، وبحيث تبقى على إيمانك بأن الأرض كروية وتدور حول الشمس، وأن لا جديد في “عالمك” اللبناني سوى أنه خارج العالم.
– عليك أن تنظم دائماً أكثر من لقاء في اليوم مع المسؤول الواحد لتكتشف كم هو غني وولود وخص المخيلة، وكم أنك متخلف ومتحجر الفكر، وكم أنك ناقص الأهلية وأبأس من أن تتشرف بأن تكون من “رعيته” و”مريديه”…
وكيف تريد لقياداتك الاستثنائية أن تحقق نجاحاً خارقاً بمثل “الأدوات” المتخلفة من محكوميها المعاقين؟!
– عليك كل ليلة، وقبل أن تضع رأسك على المخدة أن تفرغ مخك من كل ما سمعت ورأيت وقرأت، ليس فقط لكي تستطيع أن تنام، بل أساساً لكي تستقبل غدك بالحد الأدنى من الهمة التي تحتاجها لكي تحصل على خبزك اليومي.
– وأخيراً عليك أن تنسى ما قرأته الآن،
– هل شغلت مساحات الذاكرة هذا الصباح؟!
– إذاً افتح ما شئت من الإذاعات، واقرأ ما شئت من الصحف، فهي ستساعدك على إلغاء أو إسقاط أو إهمال أو نسيان كل ما كنت تعرفه حتى مساء الأمس.
المهم ألا تنسى اسمك وعنوان بيتك ورتبتك في عملك لأنهم قد يأخذونها منك في جملة ما يأخذون… سهواً،
وجل من لا يسهو!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان