تمّ تنفيذ تفجيرات 11 أيلول 2001 في موعد نموذجي لإعلان حرب كونية على العرب والمسلمين، باعتبارهم مصدر الإرهاب الدولي تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً بكفاءة غير مسبوقة.
كانت التفجيرات في استهدافاتها الأميركية كما في ذرائعها »العقائدية« التي وفرتها القيادة »الفكرية« لأولئك المنفذين من الفتية المحدودي الثقافة والمغلقة عقولهم بالتعصب، نموذجية لمن يريد توظيفها ضد العرب والمسلمين، وبالتحديد ضد القضايا العادلة لأوطانهم كما ضد حقوقهم في أوطانهم التي سقطت ففطست تحت ركام البرجين في نيويورك ومبنى البنتاغون، جنباً إلى جنب مع ضحايا التفجيرات.
كان العرب (والمسلمون)، حتى تلك اللحظة، أصحاب قضايا عادلة في عيون العالم، ولكن أنظمتهم المدعومة بمجملها من قبل الإدارة الأميركية تقهرهم في الداخل وتشوّه قضايا نضالهم أو تتنازل عنها نفاقاً للخارج وشراءً لتأييده لها ضد شعوبها.
وكان الانفصام واضحاً بين الشعوب وقضاياها من جهة وبين أنظمة القمع العربية التي أخذها حرصها على السلطة إلى تنازلات مدمرة للبلاد، بينها معاهدات الصلح المنفرد مع »العدو الإسرائيلي«، وبينها تسليم قراراتها »السيادية«، نظاماً تلو الآخر، للإدارة الأميركية في مساومة معلنة: أبقوا علينا وخذوا البلاد جميعاً.
باختصار: كان حكام العرب على وشك أن يخرجوا من عروبتهم وعليها، متكئين على الشعار الإسلامي، تحت الرعاية الأميركية، خصوصاً أنهم في مجال صراعهم السياسي مع »الحركة القومية« كانوا قد لجأوا إلى الدين الحنيف يواجهون به هذه »البدعة الصهيونية الدخيلة« والتي صدرها الغرب الاستعماري عبر »دعاة مسيحيين« في الغالب الأعم ليخرجوا بها العرب من الإسلام!
وحين تمّ تنفيذ التفجيرات في القلب من الولايات المتحدة الأميركية اكتملت الشروط الموضوعية لمباشرة حرب كونية على »هؤلاء الإرهابيين« الذين لم يكونوا بالمصادفة من الفتية العرب الساعين لاستكمال نشر الدعوة الإسلامية في فسطاط الكفر… الغربي.
كان المسرح معداً لمثل هذه الحرب، بل إن مقدماتها كانت مقروءة، ميدانياً، في فلسطين، أما على المستوى السياسي فكانت وقائعها تتوالى، في المشرق العربي كما في المغرب، وإن اتخذت طابع الهيمنة على القرار.
كانت الحرب قائمة، أصلاً، بين رافعي شعار العروبة وبين القائلين بضرورة العودة إلى أصول الدين ومحاربة »أهل الردة« الذين خرجوا على الإسلام ملتحقين بالكفار.
ولقد جاءت التفجيرات لتحسم هذه الحرب بإلحاق هزيمة فادحة بالعروبيين تاركة شرف »المبارزة« ومن ثم »الجهاد« لحملة الشعار الإسلامي بقيادة أسامة بن لادن.
لم يكن ثمة »إسلام« واحد يجمع القائلين بالعودة إلى الدين… وحتى في البلد الإسلامي الواحد كان ثمة أكثر من دعوة وثمة أكثر من داعية وثمة مجموعة من التنظيمات المتنافسة على أصول الدين حتى الاقتتال.
أما العروبة فكانت تعاني من مسلسل الهزائم التي منيت بها الفكرة على أيدي رافعي شعارها فوق الدبابات التي استولوا بها على السلطة، كما من التشوّه الذي لحق بها نتيجة القمع الوحشي الذي مارسته هذه السلطات ضد العروبيين أساساً ومن ثم ضد سائر مواطنيها وبغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية، لا فرق بين شيوعي متهم في دينه أو »إسلامي« مطعون في وطنيته أو عروبي متهم في ولائه للقيادة الملهمة التي تغني عن الدين والقومية والوطنية وحقوق الإنسان!
* * *
أين العرب (والمسلمون) بعد ثلاث من هذه الحرب الكونية التي وفر لها الذخيرة الجميع: الأنظمة المتهالكة إلى حد التفريط بالأوطان، ومنظمات التعصب الأعمى إلى حد استعداء العالم كله ضد الإسلام، فضلاً عن انها تخرج المسلمين من إسلامهم دفعاً لشبهة العداء مع العالم والحضارة الإنسانية؟
إنهم بملايينهم التي لا تحصى الضحايا الحقيقيون لهذه الحرب الكونية.
خلال هذه السنوات الثلاث جاءت الامبريالية الأميركية إلى عموم بلاد العرب والمسلمين بقواعدها العسكرية لتبشرهم بالديموقراطية، فوقعت »دار الإسلام« برمتها تحت »رتبة استعمار الكافرين«، بتعبير بن لادن.
وصار »العربي«، عموماً، و»المسلم« إجمالاً عدواً للإنسانية، وليس للامبريالية أو للاستعمار، حتى يثبت العكس.
صار العربي المنكورة عليه حقوقه كمواطن في وطنه، عدواً للحضارة منكوراً عليه حقه في الحياة، وفق منطق صراع الحضارات، ونهاية التاريخ.
لقد خسرت الولايات المتحدة برجين في نيويورك وبعض مبنى البنتاغون في واشنطن، وبضعة آلاف من الضحايا الأبرياء في تفجيرات 11 أيلول 2001.وخسر المسلمون ما كان لبلادهم من »استقلال«،
وخسر العرب ديارهم التي استعادها الاستعمار، وهو أميركي هذه المرة، أعظم تقدماً بما لا يقاس من »الاستعمار القديم«، وأقدر على توظيف تهافت حكامهم وتردي أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في تبرير ادعائه بأنه إنما جاء يحضّرهم ويأخذهم إلى الديموقراطية خارج العروبة والإسلام… ولو بالدبابات.
لقد سقط من الشهداء في فلسطين خلال هذه الفترة مثل ما سقط في نيويورك وواشنطن، وربما أكثر، إذا ما أضفنا إليهم آلاف الجرحى وعشرات آلاف المعتقلين فضلاً عن نصاعة القضية.
وسقط في العراق وحده أكثر من أربعين ألف ضحية للاحتلال الأميركي، خلال عام ونصف فقط، فضلاً عن الاستقلال وربما الكيان السياسي.
سقطت أوطان، وسقطت عقائد، وسقطت شعوب، وسقطت احلام،
والاخطر: لقد تهاوى اليقين، وتهاوت الثقة بالنفس.
إن العرب أساساً، والمسلمين بالتالي، هم الضحايا الاصليون لتفجيرات 11 أيلول 2001.
ولعل أعظم الضحايا هو »غدهم« الذي باتوا يعجزون عن تخيله.
مع ذلك فهم أهل الإرهاب، ولسوف تطاردهم هذه اللعنة طويلاً وتقف سداً في وجه محاولاتهم التحرر من طغاتهم في الداخل، المتهافتين أمام الهيمنة الأميركية، كما من تحرير أرضهم من الاحتلال الجديد الذي جاء ليخلصهم من نزعة العداء للإنسانية المتأصل فيهم تمهيداً لإدخالهم إلى فسطاط الديموقراطية بالدبابة الإسرائيلية أو الأميركية لا فرق.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان