في أحسن أحوال الحكومة (والبلد) جاء عزيز اقتراحها القاضي بالسماح لكازينو لبنان بفتح فروع جديدة في مختلف أرجاء هذا الوطن المترامي الأطراف!! وخارج مقره الحالي على كتف البحر عند شاطئ غزير وطبرجا وأدما، خلف جسر المعاملتين الذي كان الحد الفاصل بين »القائمقاميتين« قديما والذي باتت للمنطقة المحيطة به، الآن، »سمعة عالمية« أين منها سمعة لاس فيغاس الأميركية التي حوّلها استغلال جنون المقامرين إلى جنة في قلب الصحراء!
قد تكون للناس مآخذ كثيرة على الحكومة، لكن أحدا لا ينظر إليها، لا بشخص رئيسها ولا بالعديد من وزرائها، على أنها يمكن أن تحمي أو تشجع أو تسعى لتوسيع دائرة انتشار القمار المرخص.
ويعرف الناس في لبنان أن معظم الدول التي تسمح بكازينوهات للقمار فيها إنما تمنعها على مواطنيها. لا في القاهرة ولا في باريس ولا في لندن ولا في برلين، يمكن أن تجد أي مواطن من أهل البلاد في الكازينو المرخص له والبعيد غالبا عن العاصمة، والمفتوح خصيصا لغواية »الأجانب« بإنفاق المزيد من أموالهم والاستمتاع بالربح أو بالخسارة عن طريق القمار.
أما أن نوسع، بقرار واعٍ، دائرة المقامرين، في هذا البلد الذي تكاد تطحنه أزمته الاقتصادية بكل تفرعاتها المعيشية وانعكاساتها الاجتماعية، فهذا أمر غير مقبول.
لسنا هنا لنحاضر في مكارم الأخلاق، فمن يرد أن يقامر يستطع أن يراهن جاره وزميله على عدد أجنحة الذباب أو عدد أرجل النمل.
إنما نعترض على أن تتخذ الدولة قرارا بتشجيع القمار وتعميمه مرخصا في ظل أوضاع ضاغطة على الناس جميعا، وفي ظل ضيق شديد يعاني منه شبيبتنا المتزاحمون على الفرص النادرة للعمل في الداخل أو التأشيرات الصعبة للهجرة إلى الخارج.
ونعترض من أجل سمعة الحكم والحكومة، إذ نربأ بإميل لحود أو برفيق الحريري أو بمن يشاركهما المسؤولية بأن يقال إنهم قد شجعوا الخطأ، أو إنهم قد ساعدوا على انحراف الشبيبة، أو على زيادة معدلات الجريمة وخراب البيوت وهي نتائج متوقعة من »تعميم« الكازينوهات و»تشريعها« وتسهيل وصول »كل راغب« إليها.
أما حكاية تشجيع السياحة فاسمحوا لنا بها، ذلك أن قلة قليلة جدا من السياح تأتي إلى لبنان فقط من أجل أن تقامر في الكازينو.
ثم إن الكازينو موجود، وكل هؤلاء المعنيين يعرفون عنوانه وألوان »الفيش« فيه، وأسماء المراقبين والخدم والمرابين الذين يقرضون المال الحرام بفائدة حرام تصل إلى معدلات غير معقولة لا يقبلها إلا المدمن المأفون الذي أنسته الخسارة اسمه وطريق بيته وعدد أولاده!
هل من الضروري التذكير بالحملة التي تم تنظيمها، حتى في ظل حروب الميليشيات، لمنع الترخيص لكازينوهات جديدة، أو »لتفريع« الكازينو »الشرعي« إلى كازينوهات في عدد من المناطق؟!
وهل توافق حكومة السلم الأهلي على ما تم رفضه أو منعه أو تعطيله أو وقفه من الكازينوهات التي قامت في أكثر من مكان أيام فوضى السلاح وانقسام البلاد والعباد إلى معسكرات مقتتلة؟!
إن الفكرة بذاتها »حرام«، أما تنفيذها فخطأ جسيم، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع قبل الأخلاق.
ونحب أن نفترض أن هذا المشروع الذي لا نعرف له أباً قد قدمه صاحب غرض، وتمت الموافقة المبدئية عليه بشكل متسرع، وربما تحت ضغط الأزمة الاقتصادية حيث يكثر التفتيش عن »الدفاتر العتيقة«.
لذا نطلب من الحكومة التراجع عن هذا القرار الخاطئ، في الأساس كما في الشكل، وفي الاستهداف كما في التوقيت.
إنه قرار متسرع، يخلق أزمات جديدة بغير أن يحل أي جزء من أية أزمة قائمة.
وقديماً قيل: الرجوع عن الخطأ فضيلة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان