طلال سلمان

صناجة العرب محمود السعدني

… وسكت «صناجة العرب»!
بعد دهر من التقلب في أحضان الوجع انتصرت الأمراض الكثيرة، وأخطرها ما هو سياسي، على البنية المنهكة بأثقال خيبات الأمل، فغيّب الموت أحد ملوك الكلمة الساخرة والتعابير المبتدعة والأوصاف المنحوتة نحتاً بريشة رسام كاريكاتور بارع: محمود السعدني.
على امتداد ستين عاماً ظل هذا «الولد الشقي» يكتب ويكتب ويكتب من دون أن ينضب قلمه ومن دون أن تكف مخيلته عن ابتداع الأوصاف لمن يهجوهم أو يقرعهم من الحكّام والمتحكّمين، من الكتّاب والمستكتبين، من أثرياء الحروب الأهلية وأثرياء المصادفة والنخاسين وتجار السياسة وباعة الأوهام.
ولقد نجح محمود السعدني في ابتداع لغته الخاصة. استحدث كلمات واستولد منها أوصافاً، وابتكر تعابير طريفة سرعان ما شكلت لغة تخاطب. هجا فأقذع، وهاجم فأبدع، لكنه لم يستطع أن يكون قائداً سياسياً فاكتفى بأن يكون السلاح النووي في الهجوم على القادة ملوكاً ورؤساء وأمراء وشيوخ نفط وسماسرة وقوادين يتعيشون من موائد أصحاب المال والسلطان في «بلاد ما بين النهدين»..
سجن في العهود جميعاً، ونفي أحياناً، ونفى نفسه أحياناً أخرى. ولكنه ظل صحافياً. حتى في لندن سعى لإصدار صحيفة معارضة لنظام السادات بعد وفاة جمال عبد الناصر وأطلقها باسم «ثورة 23 يوليه». وحتى في الكويت أصدر جريدة مصرية معارضة… فلما جاء السادات إلى الكويت طلبه فعفا عنه، وسمح له بالعودة إلى مصر.
عمل في أكثر من أربعين صحيفة ومجلة مصرية قبل الثورة وبعدها، ومن موقع المؤيد كما من موقع المعارض الشرس… لكن «روز اليوسف» و«صباح الخير» كانتا أهم منابره.
ولقد كانت «السفير» بين منابره في بعض هجراته فكتب فيها معارضاً ومعترضاً.
رحم الله هذا القلم الهجّاء الذي كثيراً ما أثقل كاهل حامله.

Exit mobile version