جريمة العصر هي، أو هكذا كان مقدراً لها أن تكون، لو أن »عبد الهادي« المتنكر تحت اسم »سنتوريني« استطاع تنفيذ خطته الجهنمية بنسف الكيان الإسرائيلي وتمزيقه إرباً.
لكن العين الإسرائيلية الساهرة في ضوء الأقمار الصناعية الأميركية، كشفت الخطة والمنفذين وأدوات الجريمة، فمنعت »محرقة« جديدة كانت تتهدد هؤلاء المساكين البلا وطن، الذين يعيشون في رعب دائم من أن يهجم عليهم »أكلة اللحوم البشرية« من العرب فيرموهم في البحر أو يكملوا إبادتهم بدفنهم أحياء في أرض التوراة.
تصوروا لو أن قتلة الأطفال من الفلسطينيين قد تسلموا هذه الشحنة النووية التي كانت ستُقذف إليهم مع حركة الموج، وفيها، بين ما فيها، 50 كاتيوشا و4 صواريخ ستريلا، و9 فوهات تصويب، و62 لغماً، و24 قنبلة يدوية و30 بندقية كلاشينكوف و13 ألف رصاصة: ألا تكفي أسلحة الدمار الشامل هذه لإبادة كل يهود العالم، مَن عاد منهم إلى أرض الميعاد ومَن صار إسرائيلياً مع استمراره مواطنا ممتازا في البلاد التي تحترم حقوق الإنسان!
الأهم أن العناية الإلهية قد تدخلت لإنقاذ العرب، عموما، من عقاب أليم!
فلو أن الشحنة الناسفة لليهود قد وصلت إلى السفاحين الفلسطينيين لكان على العرب جميعاً، من المغرب وحتى اليمن، أن يثبتوا براءتهم المطلقة: فلا هم عرفوا، ولا هم اشتروا، ولا هم شحنوا، ولا هم سمحوا… بل انهم يستمطرون اللعنات على من اشترى وشحن ونقل وكاد يورّطهم في ما لا يطيقون ولا يقرون من مثل هذه الجرائم بحق الإنسانية عموماً، وشعب الله المختار على وجه التحديد.
أي عُرف، وأي قانون دولي، وأي مجلس أمن، وأية أمم متحدة، وأية اتفاقات، وأية عملية سلمية تسمح للضحية بأن تحاول الدفاع عن نفسها… ولو بالحجر؟!
ثم ما حاجة أطفال الحجارة، وآخرهم »ملاك« و»شهيد« إلى السلاح الذي يقتل فيهم البراءة وحب الناس؟!
وما حاجة »الرضيع«، مثل إيمان حجو، بشهورها الثلاثة، إلى كاتيوشا وستريللا وقذائف هاون… هل يمنع عنها مثل هذه الأسلحة الموتَ، وهو مقدَّر على خلق الله جميعاً، ومن الكفر الاحتجاج عليه؟!
* * *
يكاد العرب، في مشارقهم والمغارب، يتجاوزون التنصل إلى استنكار جريمة تهريب هذه الكمية الضئيلة من السلاح الخفيف إلى الفلسطينيين المهددين بالإبادة فعلاً.
هل من الضروري الإشارة إلى أن الدبابات والحوامات والمدفعية والبحرية تطلق يومياً على بيوت »اللاجئين« في أرضهم من الفلسطينيين، أضعاف أضعاف هذه الشحنة التي لم تصل؟! يومياً… بل ربما في الساعة!
هل من الضروري استعادة أسماء الخمسمئة قتيل من الفتية والأطفال والنساء والرجال، وأسماء العشرة آلاف جريح أو يزيد، الذين أصيبوا بقذائف القتل الإسرائيلي، قبل أن يتولى القيادة السفاح أرييل شارون، الذي أعلن ما يشبه حكم الإعدام على شعب فلسطين كله، ومعه سلطته التي تعجز عن حماية مقراتها فكيف بحماية مئات الألوف من الفقراء الذين لا يملكون ما يقدمونه لقضيتهم غير دمائهم؟!
هل من الضروري أن نحاسب القيادات العربية على عدم توريد السلاح إلى الفلسطينيين، من أجل أن يوقفوا المذبحة المنظمة التي يديرها شارون بعد »فشل« باراك في إدارتها؟!
أين »عبد الكريم« و»عبد العظيم« و»عبد الجبار« و»عبد القادر« و»عبد الوهاب« و»عبد الإله« و»عبد العزيز«… إلى آخر أسماء الله الحسنى من الزوارق الحاملة بعض المَدد لهؤلاء المحاصَرين بالموت براً وبحراً وجواً… والمتروكين للريح، فلا يبقى »عبد الهادي« وحده في البحر الأسير!
أين الزوارق العربية تحمل إليهم السلاح والذخيرة، والغذاء والكساء، والأدوية والدفاتر المدرسية والكتب… حتى لا نسأل عن الأموال التي اتُّخذت فيها قرارات القمم ثم لم تُرسَل (ربما لكي تحفظ فوائدها للفلسطينيين فيحققوا بذلك أرباحاً تزيد من قدرتهم على الصمود)؟!
نفهم أن العرب قد غادروا ميدان الحرب..
ولكن ماذا عن أخوتهم البؤساء هؤلاء الذين يحمون بدمائهم شرف انتمائهم إلى أرضهم العربية، وشرف أهلهم العرب الذين باتوا يخافونهم أكثر مما يخافون إسرائيل؟!
لقد بُرّئ العرب، بأنفسهم، من التفكير بارتكاب مثل هذه الجريمة بحق إسرائيل، ولكن من يبرئهم من جريمة تقصيرهم في حق أنفسهم؟!
حسناً… ليُسمح لفلسطينيي الشتات بأن »ينتحروا« بدل أن يموتوا كمداً في ديار اللجوء!
أوَليس أن كل الفلسطينيين منذورون للموت لكي تبقى فلسطين.. عربية؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان