بداية لا بد من أن نحمد الله على أن هذه »الشحنة المتفجرة« التي دسها بعض محترفي القتل في أحد مراكز البريد في بيروت، لكي تأخذ طريقها إلى مجموعة من وجوه الإعلام والسياسة في الكويت، قد انكشف أمرها من دون، أو من قبل أن تحقق الغرض الإجرامي الذي أراد تحقيقه من أرسلها.
ومن أرسلها؟!
في البداية، بدا كأن ثمة طرداً واحداً كان يستهدف صاحب جريدة »السياسة« الكويتية الزميل أحمد الجار الله… وكان سهلاً بالتالي اعتبارها »رسالة خاصة« من »خصم شخصي« أو »خصم سياسي« لهذا الرجل الذي كثيراً ما أثار الزوابع في بعض مواقفه التي ربما رأى فيها البعض »تجاوزاً للحدود« أو »توغلاً في المناطق المحظورة«.. ومحاولة النقاش معه بأسلوب »ديموقراطي«!
أما مع »شحنة متفجرة« تشير المعلومات المتوافرة إلى أنها في حدود 25 طرداً، ومع تنوع المستهدفين بها، وبينهم على الأقل صحيفة أخرى هي الزميلة »القبس« التي تختلف عن »السياسة« في العديد من المواقف المحلية والعربية، كما أن بينهم عدداً من المسؤولين الرسميين، وزراء ونواباً ووجوهاً اجتماعية، فقد سقط »السبب الشخصي« لتبدو الشحنة الناسفة كأنها موجهة إلى هدف سياسي كبير هو: الكويت نفسها.. وانطلاقاً من لبنان!
وبالتأكيد فليس بين اللبنانيين من يصل به الحقد إلى مثل هذا الحد من الجنون، بل إن التفكير الإجرامي هذا لا يمكن أن يكون »فردياً«، ولا بد أن وراءه »جهة« ذات غرض أو أغراض، أولها وأخطرها يستهدف لبنان نفسه قبل الكويت…
فمثل هذه الشحنة الناسفة تصيب مصدرها قبل أن تصيب الموجهة إليه.
ثم إنها كانت ممتازة التمويه بما يدل على احتراف عريق!! فالخدعة التي استخدمت لتمرير الطرود الناسفة جعلتها تبدو كأنها رسائل من صحيفة عربية مؤثرة هي الزميلة »الحياة« بشخص الزميل غسان شربل، إلى عدد من المؤسسات الصحافية في الكويت، ومعها في ما يبدو بعض المسؤولين وذوي المكانة الاجتماعية.
فالشحنة الناسفة لم تنفجر، ولله الحمد في الكويت (ما عدا الطرد الموجه إلى أحمد الجار الله، إذ انفجر صاعقه فقط ممّا تسبّب بجروح بسيطة لمن فتحه)، وبالتالي فإنها لم تحقق غرضها الإجرامي هناك، بينما هي قد أصابت لبنان واللبنانيين بشظاياها المسمومة.
إذن فمن البديهي الافتراض ان المخطط لهذه الجريمة إنما يستهدف البلدين معاً: لبنان أولاً (ومعه سوريا) ثم الكويت.
ومن البديهي، والحال هذه، ان تتجه الظنون، أول ما تتجه، إلى الجهات التي تخصصت في الإجرام الجماعي لأهداف سياسية، والتي تضرب عشوائياً بقصد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، من دون أي تدقيق في هوياتهم أو انتماءاتهم السياسية أو مواقفهم من الدين والدنيا، كمثل الجرائم الجماعية التي ارتكبت في الرياض، غير مرة، والتي لم يكن بين ضحاياها »سياسي« واحد، أو »صحافي« واحد، وإنما كانوا بأكثريتهم الساحقة من العرب، ومن اللبنانيين تحديداً، الذين قصدوا بلداً عربياً ليريقوا في بنائه عرق الجباه والزنود من أجل حياة كريمة.
من السهل تسجيل قائمة مرتجلة تبدأ بتنظيم »القاعدة« ولا تنتهي بالجماعات المسلحة التي تقاتل تحت صورة صدام حسين أو باسمه، مروراً ب»أنصار الإسلام«، وغيرها بالشبكات التي يتوالى كشفها في مختلف العواصم تحت تسمية »الاصولية الإسلامية«، والتي لم تتورع عن ضرب مؤسسات دولية وسفارات ومواقع تجمعات شعبية في أكثر من بلد.
لكن ذلك استسهال لمهمة جليلة لا يجوز فيها أو معها التساهل، مهما كانت صعوبة الوصول إلى الحقيقة…
نكرر: الحقيقة،
لا الاستعراض البوليسي الفارغ من المعنى كالذي شهدناه في حالات أمنية، مؤخراً، والذي أساء إلى لبنان أكثر مما أفاده.
ويبقى ان نقول للإخوة في الكويت: الحمد لله على سلامتكم، ومعها أو بعدها سلامتنا… أولسنا في الهم شرقاً؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان