أضافت اسرائيل مؤسسة كهرباء لبنان الى قائمة الارهاب، ونسَّبتها بقرار منها الى »حزب ا”«، ولعلها اتهمتها بتصنيع صواريخ الكاتيوشا، لتبرر من ثم ضرب محطات التحويل والتوزيع واغراق اللبنانيين في عتمة الليل الاسرائيلي البهيم.
هي الحرب، اذن، بغير ضوابط او حدود: على الفنادق كما على التوظيفات، على المرافق الاقتصادية كما على الاستقرار النقدي، على حركة التصدير والاستيراد كما على احتمالات الانتعاش السياحي.
ان »صنع السلام« على الطريقة الاسرائيلية يتطلب إظلامù كاملا. أي التماعة نور تخرب السلام! ثم انه لا يمكن ان يتم في حضور الناس المعنيين به. لذا فعلى الجنوب، ان يحمل متاعه على ظهره ويرحل. في البيوت المفرغة من أهلها يمكن للسلام الاسرائيلي ان يبيض ويفقس. اما اذا اصروا ان يبقوا فيها فلسوف تدمر على رؤوسهم. السلام بحاجة الى دماء، كثير من الدماء. والسلام لا ينبت الا في الارض المحروقة، لذا تتكاتف الاسلحة جميعù في احراق الارض (ومن عليها)، المدفعية والدبابات من البر، الطيران الحربي والحوامات القاتلة من الجو، البوارج والطرادات والزوارق المسلحة من البحر. كل النيران في خدمة السلام
* * *
كان »حزب ا”« تنظيمù شعبيù في لبنان، ولكن اسرائيل تصر على التعامل مع لبنان كله، بشعبه وحكومته، وكأنه منظم وملتزم في هذا »الحزب«. ومع ان الامر يشرِّف الطرفين، الا ان القصد الاسرائيلي واضح: الايحاء للعالم ان لبنان دولة يسيطر عليها »الارهابيون«، ولا تكون البراءة لا بأن يذبح لبنان نفسه، والا تولت النار الاسرائيلية احراقه بدءù بالجنوب وانتهاء بآخر شجرة في اقصى الشمال.
الأخطر ان الولايات المتحدة الاميركية قد فرضت على العرب جميعù تحديد مواقفهم على قاعدة: »من لا يساهم في حماية الامن الاسرائيلي فهو مع »حزب ا”« وفيه ومنه، اي انه عدوّي، والمحايد حليف للشياطين، فعدو عدوي صديقي، اما صديق عدوي فهو عدوي، ولا مجال للحياد او ادعاء الغفلة«.
ومع ان العرب الرسميين هم بأكثريتهم المطلقة ضد »حزب ا”« فكرù وممارسة، نشأة واصولا، فبعضهم »أعقل« من ام يتولى الذبح بيده، وبعضهم مستعد لمسح السكين بكوفيته بشرط الا يظهر في الصورة، لكن الاسرائيليين، ومن خلفهم الاميركيون، يريدون »شفافية« مطلقة، ويريدون ان يتولى كل مسؤوليته، وأن يتم الامر في »النور«… والمولدات يمكن ان تغني عن مؤسسة كهرباء لبنان للاضاءة في هذا المجال.
* * *
المعادلة واضحة، إذن: الأمن الإسرائيلي، وبالذات أمن الانتخابات التي سيخوضها شمعون بيريز لتأكيد »زعامته« مسؤولية أميركية مباشرة، وبالتالي فهي مسؤولية العالم كله.
فبيريز مرشح لأن يكون »زعيم« المنطقة العربية جميعù، وليس زعيم الأكثرية أو الحزب الحاكم داخل إسرائيل فحسب.
والنموذج »الفلسطيني« هو المعروض على لبنان: يدخله طوعù وإلا فُرض عليه دخوله بقوة النار الإسرائيلية التي تستطيع أن تحرق وتدمر كل شيء، الاقتصاد والمرافق والدور المالي والطموحات المستقبلية.
فالكلام الإسرائيلي جلي المعاني: الهدف لبنان كله وليس »حزب ا”« فيه، وإن كان هو العنوان، وفندق السمرلند، مثلاً، يثير حفيظة المسؤولين الإسرائيليين أكثر من الكاتيوشا.
والموقف الأميركي أكثر فجاجة لأنه يبرّر منطق التدمير الشامل، والتهجير الجماعي الذي تعتمده إسرائيل، ويحميه دوليù بتعطيل مجلس الأمن ولو كمنتدى للشكوى، مفترضù أن الخلافات العربية باتت أعمق من أن يجمّدها حدث جلل كتدمير لبنان، وأن ارتهان عرب الاتفاقات مع إسرائيل متين ومحصّن بحيث لا تفكه أو تضعفه المذبحة الإسرائيلية المنهجية لحاضر »شقيقهم« لبنان ومستقبله.
* * *
النصر المطلق شرط لزعامة بيريز المطلقة. وهو من أجل أن يكون الأول، وبلا منازع، في قيادة إسرائيل، يتصرف وكأنه »الجنرال« الأوحد، متجاوزù تراث الجنرالات الأموات (إسحق رابين بالذات) والجنرالات المتقاعدين (شارون وإيتان) وجنرالات حزبه وحكومته (باراك أساسù، ثم شاحاك)…
ومن أجل تظهير »الشرق الأوسط الجديد« في الصورة التي يريده عليها، يتصرف وكأنه قد بات »السيد« الأوحد في هذه المنطقة الهائلة الاتساع: لا يحق لأحد أن يناقشه فكيف بأن يعترض على قراره، يستوي في ذلك الكبير كمصر أو الصغير كعُمان أو قطر. والعصا الأميركية جاهزة لتأديب من يفكّر بالعصيان.. أو من يتردد في التنفيذ.
* * *
إنها الحرب الأميركية لإنجاز السلام على الطريقة الإسرائيلية وبشروط بيريز الانتخابية.
إنهم يؤدبون الجميع عبر لبنان وفيه. يؤدبون سوريا ومعها من يستمر في مساندتها في صمودها، ولو على استحياء، من العرب. ويؤدبون السعودية والأقطار التي ما تزال ترفض إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل، لحماية الاتفاقات القاتلة كالتي مع الفلسطينيين، والمترنحة مع المصريين، والقابلة للانفجار مع الأردنيين. ويؤدبون إيران وإسلامها الثوري الذي أشاع مناخù مناهضù في المنطقة عمومù، بالاتكاء على الصمود اللبناني والسوري والأطراف الرافضة لهذا النمط من »السلام« المهين داخل فلسطين وفي مختلف أنحاء المنطقة العربية والعالم الاسلامي.
هل هذا يفسر ضرب محطات الكهرباء في لبنان؟!
لكن النور الحقيقي هو ذاك الذي تولده روح الصمود في اللبنانيين،
وهي روح تتعزز كل يوم متجاوزة الأحقاد والمناكفات المحلية والحساسيات الطائفية والمذهبية، وتجعل الكل يتلاقون على حماية هذا الوطن الصغير والقوي كما حجر الصوان الجنوبي.
وليست الدعوة إلى مؤتمر وطني، يعقب قمة روحية، مجرد فولوكلور الآن… فالوحدة هي السلاح، وهي شرط الصمود، وهي مصدر النور الذي لن يستطيع الإسرائيليون أن يطفئوه لا بأفواههم ولا بصواريخ طائراتهم والبوارج.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان