الأستاذ وليد جنبلاط المحترم
تحية عربية طيبة وبعد،
أود، بداية، أن أعرب لك عن تقديري لمبادرتك إلى الكتابة رداً على رسالتي المفتوحة إليك، يوم الثلاثاء الماضي. إن هذه المبادرة ترتقي بمستوى الحوار السياسي وتنقذه من الارتجال معنى ومبنى ، فضلاً عن أنها تؤكد أن بين قلة من السياسيين والقلم علاقة صداقة، في حين أن أكثريتهم على قطيعة معه ومع الكتابة بما هي إعمال للفكر واعتماد على العقل والمنطق وليس على طلاقة اللسان.
ثم إنني أود الاعتذار عن لجوئي إلى استعمال كلمة »الاستجارة«، مع التأكيد أنني لم أقصد بها المسّ بكرامتك أو بشجاعتك، بل لعلني افترضت أنها تعبّر عن الضغط النفسي الذي تستولده الأحوال غير الطبيعية التي أشعرتك بالقلق على أمنك الشخصي وأمن عائلتك الكريمة، حماك الله وحماها من كل مكروه.
كذلك يهمني أن أوضح أنني لم أقصد بتعبير »حفنة من النواب« السادة النواب الذين كانوا معك في »لقاء الوثيقة«، بل من يمكن أن تنتجه الانتخابات النيابية المقبلة، مشيراً إلى أنهم مهما كان عديدهم لا يستحقون كلفة انشقاق سياسي خطير، كالذي نتخوّف من نتائجه جميعاً. ولست بحاجة لأن أؤكد أنني أكن التقدير والود، على المستوى الشخصي، لمعظم من كانوا حولك منهم، ثم إنني أحترم بعامة كل من أوصلته أصوات الناخبين إلى الندوة، بغض النظر عن اعتراضاتي السياسية على طريقة الوصول أو طريقة الأداء.
بعد هذا التوضيح يمكننا أن ندخل النقاش متخففين مما قد يؤثر عليه سلباً، وأبدأ بتسجيل اعتراضي على استهلالكم رسالتكم بالحديث عن »حجم الضغوط« التي استولدت »انقلاباً« في موقفنا، »خلال أقل من أربع وعشرين ساعة من موقع التبشير بانفراج سياسي إلى موقع الهجوم الصاعق دفاعاً عمن يفتقدون القدرة على النطق«.
ويعرف وليد جنبلاط، بالذات، وعبر تجربة عمرها ربع قرن أو يزيد، أن »السفير« قد تحملت أصنافاً عديدة من الضغوط ولم تبدل موقفها أو لغتها… لكننا في حالتنا معه لم نكن تحت أي ضغط إلا ضغط المفاجأة التي تلقيناها منه في الكلمة المباغتة، والتي جاءت من خارج جدول أعمال اللقاء، ولعلها قد سحبته إلى موقع آخر، واستدرت تصفيقاً حماسياً ممن لم تعرف عنهم حماستهم لمواقف وليد جنبلاط الوطنية والقومية.
كانت »السفير« قد استندت إلى معلومات تفصيلية عن الاتصالات التي توالت على امتداد الساعات التي أعقبت تعبير وليد جنبلاط، ظهر السبت، عن هواجسه الأمنية، والتي توجه فيها إلى الرئيس بشار الأسد في دمشق، وإلى الرئيس إميل لحود الذي تساءل عنه بمرارة: أين هو؟
ولقد تولى القيام بهذه الاتصالات بعض أحرص الناس على حياة وليد جنبلاط (وعائلته) وعلى دوره السياسي، وفي طليعتهم قيادة »حزب الله« في لبنان، والمناضل العربي الصلب عزمي بشارة، في فلسطين المحتلة… ثم أبلغوا جنبلاط حرص الرئيس السوري بشار الأسد، شخصياً، على دور وليد جنبلاط السياسي، فضلاً عن تأكيده ما يفيد بأنه ينظر إلى أي مسّ به أو بعائلته وكأنه اعتداء مباشر عليه شخصياً وعلى عائلته.
وكان بديهياً، والحال هذه، أن يتولى العميد الركن رستم غزالي إبلاغ وليد جنبلاط رسالة الرئيس الأسد، التي كانت قد بلغته عبر أصدقائه الكبار في بيروت وفلسطين المحتلة.
ولعلنا قد بنينا على هذه الاتصالات ومضمون التطمينات استنتاجاً جعلناه عنوان الصفحة الأولى من »السفير« صباح الاثنين، والذي كان يفيد أن »دمشق تفتح الباب أمام جنبلاط… تمهيداً لمرحلة ما بعد التمديد؟«..
هل تسرّعنا في الاستنتاج؟! هل ذهبنا في تفسير الاتصالات ودلالاتها إلى أبعد مما تفيد وتدل؟! ربما. لكننا اجتهدنا فأخطأنا، في أسوأ الافتراضات. ولم نكن نهدف لا إلى التأثير على موقف جنبلاط أو إلى الإساءة إليه.
هل سها عن بالنا موضوع مؤتمر المعارضات؟! بالقطع لم نكن نفكر فيه ونحن نسرد ما نملك من معلومات. ثم إن وليد جنبلاط قد أبلغنا ليلاً، وقبل قراءة ما نشرنا، أنه يعد »مفاجأة« موحياً أنها ستكون »غير محببة« لأمثالنا. أي إن ما نشرته »السفير« لم يكن السبب في ما قاله جنبلاط صباح الاثنين، وإن كان قد اتكأ عليه واستخدمه كتبرير لاحق لما كان قد قرر قوله بغض النظر عما نشر. وبديهي أن من حق وليد جنبلاط أن يقرر مواقفه، كما يستنسب، ولكن ما يعنينا أننا لم نكن نحاول التأثير عليه، وأنه كان قد قرر ما سيقوله، من قبل، وله ملء الحرية في ذلك.
لعلها »استنتاجات خاطئة بالنتيجة حتى وإن ارتكزت إلى حسن النية« كما قال وليد جنبلاط. ولعلها قد أوحت »بأنني قاب قوسين أو أدنى من تغيير موقفي لترك سرب المعارضة إلى حيث يمكن أن تفتح أمامي أبواب عنجر«.
لكن من حقنا أن نفترض أن الأمين العام ل»حزب الله« لن يوفد مساعده الخاص الحاج حسين خليل إلى وليد جنبلاط في المختارة قبيل منتصف ليل السبت الأحد ليبلغه فقط أن »أمنه
مصون« بضمانة من الرئيس بشار الأسد.
كذلك من حقنا أن نفترض أن المناضل القومي عزمي بشارة لن يعرّض أمنه السياسي والشخصي للخطر لمجرد أن ينقل إلى جنبلاط مجرد تطمين إلى أن »أمنه مصون« بضمانة من الرئيس بشار الأسد.
تلك هي »المصادر« التي أشرنا إليها منوّهين بأن الشك لا يرقى إلى نزاهتها ولا إلى حرصها على حياة جنبلاط ودوره… وبالتالي لم تكن »السفير« مثلها مثل هذه »المصادر« تتصرف نتيجة الضغوط بل نتيجة الحرص.
وليسمح لنا وليد جنبلاط بأن نقول:
لو أننا »تحت الضغط« لما نشرنا في عدد الاثنين ذاته، وإلى جانب هذه المعلومات باستنتاجاتنا (الخاطئة) منها، افتتاحية في نقد الرئيس إميل لحود وغيابه عن المبادرة وتعطيل دوره كمرجع أخير لجميع اللبنانيين، بمعارضيهم والموالين.
ويعرف وليد جنبلاط بالتأكيد أننا وجهنا، مراراً، نقداً حاداً للأداء الداخلي للحكم، وطالبنا هذا الحكم، قبل سنة وقبل سنتين وقبل أربع وقبل ست سنوات، بأن يعالج الأزمة السياسية في البلاد، فضلاً عن الأزمات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية إلخ…
وصحيح أن وليد جنبلاط كان ينتقد أداء الحكم، أحياناً، وهو قد اشتد في نقده إلى حد الهجوم الشامل، مؤخراً، لكن الفارق بيننا أنه كان على امتداد الفترة الممتدة من 1984 وحتى اليوم في موقع الحكم بينما كانت »السفير« تمارس دورها الطبيعي كصحيفة لها نهجها الوطني والقومي الذي نعتز به، ليس إلا.
ومن داخل هذا النهج كان من حقنا أن نسجل الاعتراض على بعض الرموز والمسؤولين السابقين الذين شاركوا في مؤتمر البريستول، جنباً إلى جنب مع قيادات لها تاريخها المشهود في العمل الوطني.
لقد تصدر الصف الأول في المؤتمر بعض أبطال »التحالف« مع العدو الإسرائيلي، »فناضلوا« من أجل إدامة الاحتلال باتفاق 17 أيار، كما كان بينهم من كان حتى الأمس القريب يتباهى بعلاقة »حميمة« مع قيادات سياسية وأمنية في إسرائيل.
ولو أن أمثال هؤلاء قد أجروا نقداً ذاتياً وأظهروا الندم مؤكدين أنهم »قطعوا« مع العدو الإسرائيلي، فعلاً، لأمكن التغاضي عن وجودهم في مؤتمر يفترض أنه يحضّر لمستقبل لبنان.
إن بين المؤتمرين من يحفظ له اللبنانيون تاريخاً أسود، من المجازر الطائفية، إلى العداء »العنصري« للفلسطيني والسوري، أي للعربي عموماً، وليس مثل هذا العداء من الوطنية ومن الديموقراطية في شيء.
مع ذلك لم نتعامل مع المؤتمر بعدائية. أفردنا صفحتين للخطب والصور والوثيقة… ولكننا احتفظنا بحقنا في نقد ما نراه يضر بالوحدة الوطنية ويؤذي هوية لبنان ودوره قبل أن يؤذي سوريا والحكم فيها.
إننا نعرف أصول مهنتنا، ونحترم حق الأطراف السياسية جميعاً في التعبير عن آرائها بحرية، دون قسر ودون تهديد أو تخوين.
وإذا كنا قد بالغنا في تفسير الاهتمام بأمن وليد جنبلاط الشخصي فقرأناه بالسياسة، فما ذلك إلا حرصاً على سلامة الحياة السياسية عموماً، وحق الاختلاف في الرأي، ورفض القمع أو المنع بأشكاله كافة.
وهذه الدوافع هي نفسها التي حرّكتنا وجعلتنا نتنبى رواية محيط جنبلاط نفسه لبعض الوقائع المتصلة بجريمة محاولة اغتيال مروان حمادة، التي رأينا فيها كما كل اللبنانيين، اعتداءً على السلامة العامة، فضلاً عن كونها محاولة لقمع أصوات الاعتراض على ما يعتبرونه خطأ في النهج السياسي.
لقد أوصلنا هذا التبني إلى القضاء، ولو كشهود، ولكننا كنا نؤمن بأننا إنما نمارس دورنا الصحافي في مساعدة القضاء في كشف هذه الجريمة السياسية التي هزت لبنان.
ويعرف وليد جنبلاط أننا بين أكثر الناس تفهماً لما تعنيه محاولات الاغتيال…
فعلى وجهي وبعض أنحاء جسدي، حتى اليوم، آثار محاولة الاغتيال التي جرت ضدي في 14 تموز 1984… تماماً كما يحمل جسد وليد جنبلاط بعض آثار محاولة الاغتيال التي دُبرت ضده في بيروت في أوائل عهد أمين الجميل.
ربما لهذا نبدو على شيء من العنف في الاعتراض على كل ما نرى أنه قد يهدد سلامة المواطنين عموماً والوطن كله.
غداً نكمل النقاش حول:
إلى أين من هنا؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان