طلال سلمان

رحيل نصري المعلوف … أحد صنَّاع التسويات التاريخية شاعر الحياة والحب .. والقانون!

ظلت الحياة تليق به ويليق بها حتى وهو يداني الخامسة والتسعين من عمره، فلقد أحبّت فيه الحياة شاعرها الذي عاش متعبّداً في محراب الحب، يغني الجمال حيثما وجده، ويسعى إليه في الناس والأمكنة، في اللباس والمأكل والمشرب، في البيت والشارع… بل إن علاقته بالقانون قد داخلها العشق فحوّل الاحتراف إلى نوع من السعي إلى تحقيق الذات عبر إيمانه بثالوث الشعر والجمال والحب، أي الحياة.
هو نصري المعلوف الذي تصغر أمامه الألقاب: المحامي، النائب، الوزير »القطب« الضروري لكي يكتسب أي لقاء شيئاً من الروح.
هو نصري المعلوف الذي لم يعان إطلاقاً من تلك الازدواجية المفتعلة بين الوطنية والعروبة، فهو قد تلقاهما معاً وأخذهما معاً من أساتذة وقادة كبار في معهد الحقوق بدمشق، أبرزهم فارس الخوري الذي لم تتحرّج سوريا من توليته هو »اللبناني« ابن الكفير في بعض سفوح حرمون أو جبل الشيخ رئاسة حكومتها الاستقلالية..
هو نصري المعلوف خريج المدرسة القومية، التي ترى في العروبة شرف الانتماء للأمة، دون أن يعني ذلك إلغاء »الأوطان« أو حتى »الكيانات« السياسية التي استولدتها الحقبة الاستعمارية الغربية ثم صارت »ضرورات« لارتباطها بالنزعة الاستقلالية التي وجد فيها بعض عناصر الأمة »ضمانات« لحفظ الذات بعد دهر الاحتلال العثماني.
هو نصري المعلوف القادر على أن يجمع في شخصه بين أهل الدهاء والحنكة رياض وكاظم وتقي الدين الصلح وبشارة الخوري وكميل شمعون، والقادر على ترجمة النوايا إلى »ميثاق وطني« أو إلى »اتفاق الطائف«.. فهو في الحالين مهندس الطبعة الأخيرة وصائغ المعادلات العبقرية التي توفق بين الجميع فتوهم كل طرف بأنه قد انتصر ونصر »قضيته« في حين أن النصر يكون فعلياً لفكرة أو لمشروع تحويل الكيان إلى وطن وتنقية الكيانية من العصبوية لتصير وطنية هي عنوان للعروبة وليست نقيضاً لها.
الشعر في حداد، وكذلك الحب والجمال.. فنصري المعلوف عاش حياته حتى الثمالة، عاشقاً أبدياً للجمال، راوية ممتازاً للشعر الذي به يبلغ الإنسان ذروة التألق.
لقد خسر نصري المعلوف »قضيته« الأخيرة ضد الموت، لكن مرافعته الباهرة في حب الحياة ستبقى نهجاً لعشاق الحياة..
ولقد عبّ من الحياة حتى الثمالة، وغنّاها في نهاراته ولياليه، وعشقته النساء وعشقهن، وغنّاهن شعراً رقيقاً كالندى.
لقد رحل نجم المجالس، خطيب الوطنية، المتصالح مع نفسه ومع الآخرين الذي لم يعرف الكره ولا الحقد…
ولقد كانت دارته الأنيقة في عين القبو، بقبوها الاستثنائي الأناقة والذي يتسع لألف محب، بلا أبواب…
رحم الله هذا الراحل الآخر من المعالفة الكبار الذين أعطوا لبنان وعروبته الكثير ولم يأخذوا منه إلا قليلاً.

Exit mobile version