لولا الشعر لرحل نجيب جمال الدين من زمان، لكن موهبته المتميزة التي كانت تحفظ »الطفل« فيه، كانت تجعله يخلق لنفسه عالماً يعيش ويُبدع فيه؛ فيعوّضه سمو الشعر تساقط الرجال أمام إغراء المال أو المنصب، ويحفظ له وجدانه مطهراً إلى حد السذاجة، بريئاً الى حد البكاء.
طويلاً قاوم الخيبة والمرارة وانحطام الآمال والأماني السياسية على صخرة العجز عن مواجهة الأعداء، الذين تكاثروا حتى سدّوا الأفق، بينما تراجعت الحركة العربية التي كانت تبشر بثورة تبدّل التاريخ وانتهت الى مجموعة من الأنظمة العاجزة حتى عن حماية الجغرافيا فأضاعت الأرض والكرامة ومعها الحلم بإعادة وصل ما انقطع من السيرة المقطعة والمجهِّلة لهذه الأمة.
انتبه إلى أسماء أبنائه وبناته تكتشف أحلامه: فيصل، يعرب، هيثم، عبد الناصر، ثم زينب وعزه.
إن المجد هو الابن الشرعي للشهادة، والذاكرة لا تتسع للتافهين والذين يبدّلون ولاءاتهم وحتى انتماءاتهم مع هبوب الريح.
نجيب جمال الدين أنقذ روحه عندما رفض »السياسة« بعدما صارت هواناً… وكانت عبقريته الشعرية ملاذه: يلجأ إليها فيقول بها ومنها ما لا يقول، وبالتحديد ما لا يفهمه الحكام الأميون وزبانيتهم الجهلة الذين كانوا يسعدون بجلساته، موهمين أنفسهم إنما يقول ما يقول في غيرهم ومن غيرهم.
لقد رحل كبير من شعراء المنابر، وسكت صوت جهوري عريض كلما غنّى العروبة والوطنية وأبطال حلم التغيير، من غير أن ينسى بداية الشعر ومنتهاه: المرأة.
سيمرّ زمن قبل أن نستقبل شاعراً في مثل أصالة نجيب جمال الدين وغزارته وعفويته وسذاجته التي أبقته طفلاً حتى يوم الوداع.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان