طلال سلمان

رامح مدلج يبكيهم ثم يبتسم ليراهم

كنت يافعاً حين سمعت رامح مدلج يغني فيبكي سامعوه طرباً او لوعة على الذين فارقوهم او افترقوا عنهم او عز عليهم انهم ”لم يكونوا معهم ليفوزوا، اذاً، فوزاً عظيماً”.

العينان المطفأتان نبعا حزن تسح منهما المواجع، والصوت بئر طافح بالشجن، والجمهور الذي تربى على تعذيب الذات يستزيده بكائيات فلا يطلب الا ”الفراقيات” والايغال في الأسى العراقي المعتق حتى لحظة مصرع قابين على يد أخيه هابيل.

هل ارتكب هؤلاء من الخطايا ما يبرر كل هذا البكاء؟!

أم هل وقع على هؤلاء الذين قرت وجوههم من الصخر وترف على قلوبهم قرون اقحوانه، من الظلم ما يبرر كل هذا النواح؟!

وهل الرد على الظلم يكون بالنواح والايغال فيه واعتماده طقساً؟!

ثم ان في النواح ما يتعدى الاعلان عن الظلامة: ان فيه اعترافاً بالقصور والتقصير والجبن والخوف والهرب من مواجهة الظالم..

وربابة رامح مدلج فصيحة: تقول بأوتارها الضئيلة كل هذا وتعيده فلا يرتوي الندابون ولا تأتي المغفرة.

على انني في لحظة ما لمحت فوق النظارتين السوداوين الحاجبتين العينين المطفأتين طيف ابتسامة.

وحتى لحظة سماعي خبر رحيل هذا الذي كان يختصره صوته، ما زلت استمد بعض فهمي لنهر الحياة المتدفق من تلك الابتسامة الغامضة التي ظلت تشع من بصيرة رامح مدلج حين يغلق الحزن المستعاد او المستعار عيون جمهوره المتنقل ابداً بين النقيضين: بين الحداء المفاخر بالمبالغة و”الفراقيات” الموغلة في الحزن حتى تخوم الجفاف المطلق!

Exit mobile version