على الرغم من أن أكثرية اللبنانيين لم تكن تطلب التمديد لرئيس الجمهورية أو ترغب فيه، إلا أن المزاج الشعبي العام كان باستمرار، وهو الآن ضد مبدأ »الانقلاب« الذي يُخلع فيه الرئيس خلعاً، سواء بقوة العسكر أم بقوة الشارع.
تشهد على ذلك تجارب كثيرة مرّت بها البلاد مع رئاسة كميل شمعون (الذي أبقته المعارضة حتى يومه الأخير) ثم مع سليمان فرنجية (الذي انتخبت المعارضة بديله قبل ستة أشهر من نهاية الولاية، ثم حرصت على أن يكمل ولايته الدستورية حتى نهايتها) ثم مع أمين الجميل (الذي ظل يناور حتى الساعة الأخيرة، وعطّل عملية انتخاب خلف له، وترك البلاد للمجهول، ومع ذلك تجنّب معارضوه خلعه قبل نهاية ولايته تجنباً لمخاطر السابقة).
ونحصر الحديث بمعارضة »الداخل« بوصفها تتضمن دائماً الخارج عربياً كان أو أجنبياً.
يمكن في هذا المجال استثناء تجربة الشيخ بشارة الخوري، الذي كانت تسانده »الأكثرية« النيابية، ولكنه اختار أن يتنحى مجنباً البلاد مخاطر غير محدودة، لو تم خلعه بالقوة… ثم إن الجيش، بقيادة فؤاد شهاب، قد رفض التدخل في عملية سياسية التزاماً بانضباطه العسكري الذي يحدد دوره بحماية النظام وتأمين استمرار سلطاته الشرعية في أداء مهامها إلى أن يتم تغييرها وفقاً للدستور.
وهنا أيضاً يمكن الإشارة إلى »الخارج« داخل المعارضة إن لم نقل: وعلى رأسها!
وبالتالي فليست مصادفة أن نمط الانقلابات العسكرية الذي عمّ دول الجوار العربي لم يشمل لبنان »بنعمه« الوفيرة التي ذهبت باستقرار العديد من الأقطار العربية وبفرصة العيش الكريم لشعوبها المعلن طموحها إلى الديموقراطية.
حتى من يرغب بالتغيير ويطلبه فإنه يريده أن يتم سلمياً ومن دون أن يدمر »النظام« الذي يرتكز أولاً وأخيراً على التوافق، فإذا ما تعذر التوافق استحال التغيير. مع الإشارة إلى أن »الخارج«، عربياً كان أو أجنبياً، يشترط مثل هذا التوافق حتى لا يبدو تحركه »تدخلاً« يمس السيادة والاستقلال!
والنقاش الفقهي لا يقدم حلاً، حتى إن هو ارتكز على قرار مجلس الأمن، الذي صدر للمناسبة بغير طلب من لبنان أو نتيجة لصرخة استغاثة تقدمت بها حكومة لبنان طالبة فيها النجدة الدولية العاجلة.
من هنا فإن تقديم مطلب البت في وضع »الرئاسة« على ما عداه من بنود جدية تلخص المسائل المختلف عليها والمطروحة على طاولة الحوار لن يسهل الوصول إلى تسويات تعيد جمع اللبنانيين من حول قضيتهم الوطنية بمكوناتها جميعاً، بل هو قد يؤخر أو يعطل ما كان ممكناً التوافق عليه الآن أو بعد حين، من دون أن يعجل في تحقيق المطلوب والمرغوب إنجازه.
التوقيت ليس فناً، إنه ضرورة للنجاح، والتوقيت يأخذ في الاعتبار الداخل والخارج.
إن القاعدة التي يرتكز عليها مؤتمر الحوار، الذي جاء توقيته في موعده بالضبط فأمكن عقده، هي التوافق، وبالتالي فإنه من غير الممكن حسم »البند الأخير« قفزاً من فوق البنود الأخرى، التي قد يؤدي فرض تقديمها على ما عداها إلى تعطيل المؤتمر الذي يشكل باب النجاة للجميع.
والتعطيل ممنوع… ثم إنه يزيد من المشكلات والإشكالات، ولا يعيدنا فقط إلى نقطة الصفر.
وتعطيل مؤتمر الحوار ممنوع، برغبة الداخل والخارج معاً.
وقديماً قيل: »مَن طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه..«.
وحديثاً قيل ويقال: مَن وضع العربة قبل الحصان خسر السباق وسمعة كفاءته كمتسابق ممتاز.. في الداخل والخارج.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان