يصلح الحكم في لبنان، بمؤسساته التشريعية والتنفيذية، لأن يكون مادة للدراسة في معاهد العلوم السياسية، باعتباره حالة فريدة في بابها تطرح بالنتيجة سؤالاً بل أسئلة مباشرة عن الدولة وهل هي موجودة حقاً، وكيف تؤكد حضورها وتستمر؟!
فرئيس الجمهورية الذي سلمت الأكثرية النيابية (كارهة) باستمراره لتعذر خلعه دستورياً مطعون بشرعيته دولياً، كما أعاد تذكيرنا الرئيس الفرنسي جاك شيراك، أمس، بوصفه أحد الآباء الشرعيين لقرار مجلس الأمن الرقم ,1559 لرفض دعوته إلى قمة الفرنكوفونية، مستبقاً أي تراجع محتمل في موقف الدولة المضيفة رومانيا.
كذلك فإن هذا الرئيس الشرعي بقوة استمراره في موقعه، يحظى بمقاطعة سفراء الدول الكبرى المعتمدين لديه (رسمياً)، فلا يزوره أحد منهم حتى في المناسبات البروتوكولية الملزمة (عيد الاستقلال، مثلاً)..
بالمقابل فإن رئيس الحكومة المرحّب به في مختلف عواصم القرار الدولي أثار أزمة عربية عندما ذهب إلى قمة الخرطوم من خارج الوفد الرسمي، ثم كاد يفجر الحكومة كلها بخطابه أمامها الذي اعتبره شركاؤه خروجاً على البيان الوزاري باعتباره قاعدة الوفاق أو الزواج بالإكراه ..
ومفهوم أن الحكومة التي شهدت هزات عدة كادت تذهب بها لولا تعذر البديل تعيش حالة من انعدام الوزن وتدوم بقوة الاستمرار، ولا يكاد وزراؤها يتوافقون إلا على الروتيني من القرارات، حتى إذا واجهت تعيين موظف ارتجّت فتخلخل توازنها واضطرت إلى الدخول إلى غرفة الإنعاش!
فأما المجلس النيابي فإن نسبة كبيرة من أعضائه تقول بانتخابات مبكرة على قاعدة قانون جديد مغاير لكل ما سبق، إذ تطالب باعتماد النسبية وبإعادة تقسيم الدوائر وإعطاء الشباب حق الانتخاب مع بلوغهم عامهم السادس عشر… وفي الجو ما يؤشر إلى أن هذا الحل قد يفرض نفسه فيحل المجلس نفسه تمهيداً لانتخابات جديدة!
تصوّر حالة المؤسسات الأخرى والإدارات العامة: تسمية قاض في مجلس القضاء الأعلى تطلبت حرباً ، أما شرعية المجلس الدستوري الذي يفترض أن يبت بالطعون الانتخابية التي ستقدم (بعد سنة من إتمام العملية الانتخابية) فإنها تتطلب حروباً، فضلاً عن أن ربع الوزارات تدار بالوكالة لأن المديرين العامين تقاعدوا ويتعذر التوافق على بدلاء لهم مستوفين شروط التوازن الطائفي والمذهبي ضمن التوازن السياسي.
هذا كله قبل أن نتطرق إلى الأزمة المفتوحة مع سوريا، والتي تزداد تعقيداً بقدر ما يتأخر التصدي لها بالحلول المناسبة.
… ومن دون التوقف أمام الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا حل لها في الأفق المنظور، والتي يبدو أن مشروع بيروت واحد الذي كان يجري الحديث عنه باعتباره الوصفة السحرية يصعب عقده في ظل الظروف الراهنة..
ومن أسف أن مجلس الأمن الدولي بكل جبروت أعضائه الدائمين لا يملك أن يتصدى لحل هذه الأزمة العضوية التي تشل الحكم برزمة من القرارات الانقلابية الجديدة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان