ليس مؤتمر الحوار الوطني جمعية تأسيسية لإعادة بناء الدولة، ومن الظلم أن تُلقى عليه مثل هذه المهمة المستحيلة في ظل الشرخ بل الشروخ التي فسخت المجتمع وجعلت مكوّناته الأولية تتباعد وتكاد تواجه بعضها بعضاً مما أفسح لنغمات (ومشاريع؟) قديمة حول فيدرالية الطوائف أن تطل برأسها من جديد.
وليس المؤتمر مجمع إرادات أطرافه اللبنانيين فحسب، بل إنه مجمع إرادة دولية ورعاية عربية واحتياج محلي، بعدما لاحت مخاطر تحوِّل الانشطار السياسي إلى ما يشبه إعادة النظر في الكيان السياسي.
إن التنويهات الأميركية أساساً ومعها الفرنسية ومن ثم الغربية عموماً، وبعدها العربية، بالنجاح في عقد هذا المؤتمر تدل على حاجة الجميع إليه، إما لأنهم لا يملكون حلولاً حاسمة وفورية لمشكلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي فاقمها الخروج السوري تحت ضغط الغضب الناتج عن خيبة الأمل في الأخ الكبير الراعي ، خصوصاً بعدما أضاف إليه سوء الإدارة السورية شبهة الاتهام بمسؤولية معنوية (إن لم تكن مادية) في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري…
… وإما لأنهم يحتاجون إلى الوقت ، والوقت ضاغط جداً مع تفجّر العراق بدمه في ظل الاحتلال الأميركي وما تسبّب به من تداعيات على امتداد المنطقة العربية وما جاورها وبالذات إيران بالدرجة الأولى (وهي صاحبة مشروع معلن) وتركيا التي تستعد لكي تتقدم بمطالبها في مدى الاحتياج إليها على الضفتين!
كذلك ف الوقت عنصر ضاغط جداً مع فلسطين التي تكاد تضيع في ظل التواطؤ الأميركي (والغربي) مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل الانقسام الذي بلورته اللعبة الديموقراطية لا سيما بعدما رفض رعاتها الغربيون حمايتها من الإسرائيلي، وحرّضوا عليها أهل السلطة الموروثة، ثم ضربوا عليها حصاراً أفظع من الستار الحديدي وأقسى، خصوصاً وقد شارك في إكمال طوقه الإخوة العرب الذين يرفع كل منهم شعار يا رب رأسي ، والذين يحلّلون الحرام ويحرّمون الحلال لدفع البلاء عن أنفسهم ومن بعدهم… الطوفان!
ويبدو أن الحل اللبناني مرشح لأن يعتمد في فلسطين تحت الاحتلال كمخرج من مخاطر تحوّل الانقسام (في السلطة والمجتمع) إلى مشروع فتنة واسعة يغذيها المحتل الإسرائيلي ويسرِّعها الحصار الغربي وضيق الرزق (والصدر) قد تنتهي إذا ما تفجّرت لا سمح الله بتشطير الضفة الغربية بحيث يسهل تذويبها في إسرائيل (مع طرد ما تيسّر من أهلها) ودفع الفلسطينيين إلى الغرق بدمائهم في غزة حتى يشيب الغراب…
كذلك يبدو أن الحل اللبناني مرشح لأن يعتمد في العراق تحت الاحتلال الأميركي، علماً بأن انقسام العراقيين يؤدي إذا ما استمر إلى تعزيز الحاجة إلى الاحتلال ليس فقط كحاكم وإنما كحكم أيضاً…
ونعود إلى مؤتمر الحوار الوطني: إنه المقدمة فحسب لمعجم كيف وبمن يمكن أن يحكم لبنان؟ .
بديهي القول إن المؤتمر ليس مؤهلاً لمثل هذه المهمة شبه المستحيلة، خصوصاً مع ازدحام الدول في أروقته، ومع التوجيهات التي لا يتعب من إطلاقها سفراء دول القرار .
والأخطر أن هذا المؤتمر الذي تتصل أو تتعلق موضوعاته جميعاً بسوريا، وبتوافق اللبنانيين في ما بينهم على العلاقة معها بعد خروجها (بل بعد جلائها كاستعمار، على حد تعبير السفير الأميركي)… اكتفى بالعناوين دون التوغل في ما يعطل هذه العلاقات، بل ما يجعلها تنذر بالانفجار…
وهذه العلاقة، المعقدة بطبيعتها، لا يمكن أن يعيد صياغتها طرف واحد، حتى لو كانت أميركا العظمى، بل لا بد لها من طرفين: لبنان وسوريا، ثم يجيء دور الآخرين. أما إذا استمر الآخرون في المقدمة، ونحن نخاطب دمشق من خلالهم أو عبرهم، فإن الحل سيظل بعيداً.
… والمهمة الفعلية لمؤتمر الحوار أن يقرّبه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان