فَقَدَ مؤتمر الحوار الوطني الكثير من وهجه، عند المواطن العادي، لكنه لم يخسر الإحساس بضرورته، لا في الداخل ولا في الخارج الذي كان دائماً ثقيل الحضور في الداخل ..
أول مبرّرات التمسّك بهذا المؤتمر الذي بات أشبه بمنتدى، أن لا بديل منه إلا القطيعة، وعودة الأطراف إلى التمترس خلف رؤاها ومطامحها ومطالبها، ومن ثم العودة إلى الاحتكام إلى الشارع.. والشارع شوارع، والشوارع طوائف ومذاهب ومصالح، والمصالح دول ، والدول متنافسة ومتعارضة الأهداف..
كان المؤتمر الذي تولى مهندسه الترويج له بأنه صناعة لبنانية مئة في المئة ، يتضمن الدول جميعها فيه، وإلا لتعذر انعقاده، لأن لها على تناقض مواقفها المعلنة مصلحة مباشرة فيه، وإلا لكان انفرط عقده في جلسته الأولى التي شهدت تفجير أول قنبلة صوتية فيه..
نجح المؤتمر بداية في سحب المسائل الملتهبة من الشارع، من دون أن يتبدى وكأن ثمة من أجبره فشله في تحقيق أهدافه الفعلية على الدخول إلى تلك القاعة التي كانت مقهى فصارت محكى في مجلس النواب..
ونجح، ثانياً، في إثبات القدرة على مناقشة كل الموضوعات، المتفجرة بطبيعتها، أو المرشحة للتفجر بتناقض المصالح، ضمن جو طبيعي ، سهر السفراء على رعايته بالعين المجردة كما بالتصريحات المواكبة المشجعة والتي أسقطت منها التحفظات على من يعنيهم قرار مجلس الأمن بفقراته جميعاً..
لكن القرار غير النقاش..
والقرار يتطلب أن تتولى الدول التي تبرّعت بالرعاية وتعهّدت بالمواكبة حتى الوصول إلى الحلول، إزالة الألغام التي زرعتها في طريقه بالقرارات المتعاقبة وأولها وأخطرها ..1559 وخصوصاً أن هذا القرار بات سلاحاً لمن يرفض الوفاق والتوافق والاتفاق بذريعة أن ما يقرّره بولتون في مجلس الأمن الدولي مقدس ولا يجوز نقضه أو الخروج على نصه أو إسقاط مضمونه.
… ثم إن هذه الدول التي شجعت على الحوار لم تكن تملك تصوراً واضحاً للمخارج، ولا كانت مهّدت لكي يصير التوافق قراراً، بل لعلها شجعت بعض الأطراف على افتعال مزيد من الإشكالات مع السوريين المستفَزّين أصلاً بعد طردهم من الجنة اللبنانية بحيث تصبح مهمة فتح الباب للتفاهم مع دمشق عملية انتحارية ، كما حرّضت على سلاح المقاومة بينما هي تعرف باليقين أن مثل هذا التحريض لا ينسف المؤتمر فحسب بل هو يفتح الباب للرياح التقسيمية ويشجع بعض الأطراف في استعادة تاريخها في النضال من أجل فيدرالية الطوائف.
أما العرب فقد جرّب بعضهم، لكن الدول كانت تحرّض على المضي قدماً في المواجهة، فانكفأ العرب مغضبين ، وتوالت زيارات الاعتذار والاسترضاء، لكن زمن المبادرة قد انتهى..
الطريف أن الكل يجمعون على أن النقاط الأساسية التي أقرها المؤتمر بالإجماع باتت خارج النقاش، بينما التصريحات والخطابات والتحركات على الأرض لا تفعل غير إعادة طرح تلك النقاط على بساط البحث بوصفها مسائل خلافية.
لا الدول تملك حلولاً، إذاً، بل هي تريد هدنة مجرد هدنة، في انتظار أن تفرغ من حسم المسألة المركزية المتصلة بالمنطقة، أي بمشروع الشرق الأوسط الكبير ومركزه في هذه اللحظة طهران وأسطورة مفاعلها النووي..
ولا العرب يرغبون في إحراق أصابعهم، طالما أن الدول لم تقرّر بعد، بل هي تمنعهم من المبادرة مرة أخرى بسبب من.. طهران!
ولا أطراف الحوار قادرون على حسم المسائل المطروحة بابتداع حلول عجائبية لها في غياب الدول ومع استنكاف العرب .
ليستمر الحوار، إذناً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
إنه، حتى لو صار شكلياً، أفضل من البديل الذي لا يريده أحد: الشارع. والشارع شوارع، والشوارع دول، والدول مصالح، لا مجال معها للعواطف سواء أكانت بدافع الثأر أو الانتقام أو بالرغبة في المصالحة لطي صفحة الأمس بالتطلع إلى الغد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان