قال الجدار للجدار: لم اعد اعرف لي وجها. جعلوني مثلهم متعدد الوجوه!
قال الجدار للجدار: اما انا فقد ضيّعوا لي موقفي، فأنا الآن مشارك في الاعلى، مقاطع في الأسفل!
* * *
قال الجدار للجدار: بعضهم يحب العلالي، انظر اليهم كيف تسلقوا الاعمدة. ارفعوني ولو على خازوق!
قال الجدار للجدار: وصلت الفضيحة الى السطوح. لعلهم يحاولون »تطبيق« الناخبين الذين انتقلوا الى »الرفيق الاعلى«!
* * *
قال الجدار للجدار: كل الرجال مرشحون. يبدو ان النساء هن وحدهن الناخبات في هذا البلد.
قال الجدار للجدار: ولكن المشكلة ان النساء هنّ اكثر من يعرف عن هؤلاء الحقائق التي تحاول ان تطمسها الصور البهيجة الالوان، والفخمة الطباعة.
* * *
قال الجدار للجدار: هل اخترت، مِن بين مَن عليك، مرشحك؟!
رد الجدار على الجدار: وهل انا أبله لكي أختار قبل ان تصلني كلمة السر؟!
* * *
قال الجدار للجدار: لقد مرت عليّ أربع معارك انتخابية حتى اليوم… مضطر الى ان أشهد ان السابقات كانت تحفظ لي بعض ماء وجهي. بكلمة، كانت أنظف.
رد الجدار على الجدار: هس، من يسمعْك فسوف يتهمك بأنك ضد الديموقراطية!
* * *
قال الجدار للجدار: حضّر ظهرك للحمل الثقيل… غدا تجيئك الصور الجماعية للقوائم… ان بعضها يحتاج الى مثل سور برلين لحمله.
رد الجدار على الجدار: الحمد لله ان صدري أضيق من ان يتسع للرهط مجتمعا. لأول مرة ازهو بضآلتي!
* * *
قال الجدار للجدار: او تعرف تاريخ ضيفنا الجديد؟! لكأنه هبط علينا من المريخ، حتى ملامحه تشهد بغربته.
رد الجدار على الجدار: مرشحو اللحظة الاخيرة هم الفائزون. انهم موفدون الى النجاح. ألم تسمع عن المباغتة في الحروب الصاعقة؟!
* * *
قال الجدار للجدار: أتسمع شكوى العمود المجاور؟! لقد انحنى حديده تحت وطأة الذين علقوا انفسهم عليه.
رد الجدار على الجدار: بل انه يشكو السمسار الذي يؤجره مرتين في اليوم، في النهار لزبون، وفي الليل لزبون آخر، وما بينهما لزبون ثالث.
* * *
قال الجدار للجدار: هل سمعت آخر خبر؟! صار الايجار على قاعدة السنتيمتر فوق العمود، بينما يعتبروننا مشاعا ولا يدفعون شيئا.
رد الجدار على الجدار: لنا أسوة بالناخبين. هم المشاع الاعظم!
* * *
قال الجدار للجدار: أتعرف انهم جعلونا فخاً؟! عديد ممن تربعوا على صدرنا أياما اعلنوا انسحابهم، ونسوا ان يستردوا صورهم.
رد الجدار على الجدار: لعلهم أبقوا الصور اعترافا بجميلها. لولاها لما تذكرهم اولئك الذين يشترون الترشيح، ثم يشترون الانسحاب!
* * *
قال الجدار للجدار: سمعت كثيرا عن المجلس الدستوري، ولم أر ابدا صورته.
رد الجدار على الجدار: انه مثلنا، جدار آخر يشهد على الديموقراطية!
* * *
قال الجدار للجدار: أتراهم استعملوا أيضا جدران البرلمان، فطلسوها بصورهم الجميلة…
رد الجدار على الجدار: لا، فمكان الصور هناك، داخل القبة، وليس خارجها. الخارج فقط للديموقراطية.
لو يتعارف الحلم والقدرة…
ما أعمق ما يقوله صمتك، ما ابأس ما تقوله الثرثرة.
اسمع جدل الأفكار الكبيرة في رأسك، وأكاد استضيء بالقليل من اشعاعها الذي يتسرب الي… لكن كلماتك تظل أعجز من ان تترجمها وتوصلها الى الناس.
تعرفين كل من حولك أفضل مما يعرفون أنفسهم، فاذا ما وصلت الى ذاتك اخذك الخوف الى الاضطراب، وضعت في غياهب الفوضى، فضاع السياق وخسرت القضية.
أقوى من الصعوبة انت، وأضعف من القرار.
تثقين بالآخرين، فتعطينهم ما تحتاجين اليه اكثر منهم، ثم تغضبين لانك نسيت نفسك ولم يتذكرك الآخرون.
ترفضين الحب خوفا من ان يكون عطفا، ثم تطلبينه ممن جرحت قلوبهم، فصاروا يخافون عليك من اعتلالها.
لو انك تجلسين الى احلامك. لو انك تتلقين دفق افكارك فلا يجرفك طوفانها الى الملل، او الى الاحساس بالضآلة وانت القادرة والمعافاة.
قلة هم من صنعتهم أحلامهم. الاكثرية هم من يتهيبون أحلامهم لكبرها، فينزوون في بئر النسيان، هربا من مواجهة لا بد منها، لكي تكتمل انسانيتهم.
لك الحق بالحلم السَّنِيّ، وله عليك حق الاكتمال.
لا بد من انجاز التعارف بين الحلم والقدرة.
الواقع لص يطاردنا لكي يسرق احلامنا.
من وقع في جب الواقع لم يخرج منه، وأمضى حياته يرتطم بهذا الجدار او ذاك، ويبكي حظه العاثر الذي لم يمكنه من تسلق القمم.
الارادة البداية والمنتهى.
الارادة اقوى من الحلم وأثبت، لا تأتي بعد النوم، ولا تذهب قبله.
الحب إرادة. النجاح إرادة. النصر ارادة.
والفشل إرادة مكسورة.
الشارع مكتظ بالمكسورين لانهم هدروا إرادتهم، او افترضوا انهم لا يملكون الكلمة السحرية التي تلغي المستحيل وتكرم انسانيتهم.
لا يكون الحب للآخر على حساب الذات.
نحب من نجد فيه اكتمال ذواتنا.
لا يلغي الحب صاحبه، بل هو يستحضره في أبهى تجلياته.
مستشعر النقص في ذاته هو من لم يعرف كيف يحب حتى ذاته، ومن يهرب من ذاته لا يعرف كيف يحب الآخرين.
لا يوزع الحب هدايا في العلب، ولا يعطى كمكافأة لمن سبقنا الى إلقاء تحية الصباح.
علينا ان نتسامق، ان نمد هاماتنا الى أقصى مداها، لعلنا نطاول الحب او نستشرف أفقه!
ولان الحب الحياة، فهو يعطينا موقعنا ودورنا فيها.
أول الحب أنتِ.
آخر الحب أنتِ.
خذي حياتك بيديك، واحفظي لي بعض حبك.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لا يعرف له مهنة الا الحب:
يخلق الانسان اوهامه، ثم ينطوي داخلها متأففا من الظلم، اما انا فقد اخترت نوع الظلم الذي يناسبني. قلت: أحب، فحسب!
وقال لي »نسمة« وهو ينفض عنه قناع الحكيم:
الحب امرأة… ماذا نفعل اذاً ببقية النساء؟!
إن التفتّ الى غيرها رمتك بنار غيرتها، وإن لم تنظر الا اليها قتلكما الملل. أتدري… ان التعود آفة تفتك بالحب فتكا!
عادت رنة الحكمة الى صوت »نسمة« وهو يقول:
إحفظ حبك بعيدا عن يومياتك! إدمن الحب ولا تدمن الحبيب!
قلت مستغربا: لكأنك تحرض على الخيانة..
قال مشفقا من تسرعي: من يحب لا يخون. لا يدوم الحب خارج الحلم. هل وجدت من يطبخ ويوقع المعاملات داخل الحلم؟! إحفظ حلمك تحفظْ حبك، اما إن انت جعلت الحب وظيفة او واجبا تؤديه على مدار الساعة، خسرت عمرك ولم تحفظ حبيبك.
* * *
وقال لي »نسمة« بينما هو يسقي ورود حديقته:
انها في كل وردة. اللون زينة، هي العطر.
أتدري، انني أفرح حين تجيء النحلة فترشف من الرحيق، ويسعدني ان العطر ينتشر مع الهواء فينعش نفوسا بعيدة. أكاد أقول للناس:
هذا هو حبي فتطيبوا به.
لكن الوردة لك…
أعطيها فتعطيني، ونحن شركاء في ما يتطيب به الناس او يتمتعون!
كل الورود تنشر عطرها بغير سؤال..
هي الورد كله. هو صورتها وشذاها، اما الأصل فلا تطاله يد أو عين.
الحب قبل.. الحب بعد
مثل نجمتين…
لا البعد يخفت الاشعاع، ولا الرؤية تشبع الشوق، ولا القرب كان يطفئ اللهفة، ولا الحوار كان يزيل القلق على حلم الاكتمال.
مثل نجمتين…
تخترقان المدى ويعز الوصول، ومن خلف العيون المغشاة بالدمع تهتف بكما الافئدة ان تقدما، الى الاعلى، الى فوق المستحيل.
قبل البعد الحب، وبعد البعد الحب، خلف البعد الحب، والحب في قلب البعد، وعلى الضفاف.
مثل نجمتين…
مثل عينين مفتوحتين على البهاء والسعادة وروح العصر،
مثل قلبين متعانقين يخفقان في صدور كثيرة، وينثران الأمل على النفوس المصدومة باليأس، ويبعثان القوة في الزنود المحطَّمة بوهم الهزيمة القدرية.
مثل الوردة والعطر، مثل الكلمة والفكرة، مثل صفحتين من كتاب مقدس.
مثل نجمتين…
لكن الاقدام على الارض.
والارض هي الاصل، هي البداية والعمر ومثوى الحلم، هي الديمومة والهوية.. لها الجهد والعرق، ومنها شرف الانتماء، وفيها وبها ومنها الاهلية والجدارة والحق باستيطان التاريخ.
لا غربة ولا اغتراب، لا افتراق ولا إرجاء.
فيها تبقيان حيث كنتما. على متنها تمشيان، وتحفظان حبل السرة ليهديكما سواء السبيل.
لكما الدنيا… وأرضكما المركز، منها واليها ولها الأبناء جميعا.
لكما الفضاء… وتكونان مثل الشجرة المباركة تغوص بجذورها أعمق، لترتفع أعلى فأعلى.
مثل نجمتين…
تحلقان عاليا لتصفو الرؤية، ولتعلو معكما الراية بالهوية الصريحة كالدم.
للحب الرفعة. للارض المجد. للامل عصارة العقل والجهد.
مثل نجمتين…
لكما الافق كله، ولنا بعض الضوء يصلنا منكما حيث تكونان… وستكونان أقرب من سواد العين الى بياضها.
مثل نجمتين…
نسافر عبركما اليكما، وتبقيان حيث كنتما فينا.
مثل نجمتين..
والافق المفتوح هو التحدي: كم نضيء منه، كم نشغل من فضائه السديمي، وكيف نملأه بالمعنى.
وراءنا الليل، وأمامكما عصر الأبصار وإدمان الدهشة، حتى الإدهاش بالأروع.
وراءنا الاعتذار بنقص المعرفة، وأمامكما ينابيع المعرفة تفيض بالأسرار والمكنونات والكلمات المرصودة، بحيث قد تخافان من التيه في ما تعرفان.
مثل نجمتين..
بل مثل انسانين رائعين تتشابك أياديهما في صنع الصباح الجديد.
مثل صورة واحدة للحب بوجهيه،
مثل إطلالة فجر يمتد ضياؤه الى البعيد، لكن نوره يمنح العيون معرفة الأسماء.
مثل نجمتين..
تتغامزان الآن علينا، ويقول واحدكما للآخر: ما أفقر المخيلة! لو انهم نادونا باسمينا لاعتبرناه تكريما.
مثل نجمتين..
يا ما أعز النجوم… الحبيبة!