المال سعودي، لكن الحكمة يمانية، يقول اليمنيون،
والسعودية هي الأغنى، ولعلها الأقوى من حيث »كمّ« التجهيزات العسكرية المعزَّزة بنفوذ المال وقدرته الخارقة على استدراج الحلفاء وغواية الأصدقاء!
لكن اليمن تبدو واثقة من قدرتها على تصحيح »الظلم التاريخي« الذي سمح بوقوعه آل حميد الدين، قبل حوالى ستين سنة، واستثمره آل سعود وسعوا إلى تحويله إلى أمر واقع سياسي، فإلى مشروع حقيقة جغرافية وطبعة منقّحة من التاريخ.
وفي الماضي كان القول بالإسلام وادعاء التمسك بأصوله واستخدام عصي المطاوعة كدليل على التطرّف في تطبيقه »بضاعة« أو »تجارة« سعودية رائجة ورابحة… لكن الإيمان يماني، وكذا »الفتح«، يقول اليمنيون.
والمفاوضات التي لا تنتهي بين صنعاء والرياض هي في حقيقة الأمر محاولة لإعادة تصحيح الميزان عبر إعادة تثبيت بعض حقائق الجغرافيا التي يرتكز عليها تاريخ الجزيرة العربية كله.
فعمر المفاوضات بعمر المملكة التي دبَّ فيها الهرم، مثلها مثل ورثة مؤسِّسها عبد العزيز آل سعود، الذي حاول تحصينها بهجوم وقائي على اليمن الضعيفة، آنذاك، والذي ربما كان علي عبد ا” صالح قد وجد اليوم الفرصة السانحة للرد عليه بهجوم مضاد مستفيدù من أن جمهوريته قد جدَّدت شبابها باستعادة وحدتها، في حين أن خصومه يعانون من الترهّل وقصور الرؤية والعجز عن لعب الدور الذي كان متاحù أمامهم بغير منافس.
إنها مفاوضات أسهل منها الحرب: فلا السعودي يرضى بالتنازل عما أخذه بحد سيفه، بداية، ثم بذهبه ونفوذه السياسي، كما أنه ليس في اليمن إنسان واحد يرضى بأن يوقع على ترسيم الحدود خضوعù لقوة الأمر الواقع أو »يبيع« شبرù من الأرض اليمنية بالمال السعودي كله.
لا تتصل المسألة بالحدود، لكنها في اليمن »قضية وطنية« من الدرجة الأولى، بينما هي في السعودية مساحة نفوذ وهيبة وسطوة وسائر مستلزمات الدور القيادي للشقيقة الكبرى وللأسرة التي وجدت نفسها فجأة مُطالَبة بلعب دور دولي (لمصلحة أميركا) لم تكن مهيّأة له فضلاً عن أنها لا ترغب فيه.
وعلي عبد ا” صالح يعرف جيدù، وبالأدلة الحسية، أن اثنين على الأقل من أسلافه في مقعد الرئاسة باليمن قد دفعا حياتيهما ثمنù للموقف من ترسيم الحدود مع السعودية: الأول قتله رفضه، وهو إبراهيم الحمدي، والثاني قتله الخوف من أن يقوده ضعفه إلى القبول وهو الغشمي،
كذلك يعرف علي عبد ا” صالح أنه »ميت« إن هو وقّع على ما قد يراه اليمنيون تنازلاً يتردى إلى درك الخيانة العظمى، وهو طالما أبلغ »خصومه« السعوديين بأنه إذا ما خُيِّر فسيختار أن يموت وهو يقاتل لاسترداد الحق بدلاً من أن يموت مُدانù بالتفريط بالتراب الوطني.
التاريخ ليس الماضي.
والجغرافيا ليست التضاريس الطبيعية.
وقوة علي عبد ا” صالح، الفقيرة بلاده إلى حد الوقوف على حافة الافلاس، لا تتأتى من عديد الجيش والقوات المسلحة وعدتها،
إنها الشرعية التاريخية.
مثل هذه الشرعية لا تستورد جاهزة من الخارج،
كذلك لا تكتمل الشرعية لأي كيان سياسي، إلا إذا هي انسجمت مع حقائق الجغرافيا ومنطق التاريخ.
الأمر الواقع السياسي لا يستولد بالضرورة شرعية مطلقة أو دائمة،
اليمن هي الأقوى اليوم وغدù وبعد غد. بعلي عبد ا” صالح ومن دونه.
والسعودية هي الأضعف، اليوم وغدù وبعد غد. بفهد أو بسلطان أو بعبد ا” أو بغيرهم جميعù.
ولقد يقود القصور السعودي عن إدراك الحقائق الجديدة، في المنطقة، إلى حرب مدمِّرة لن يخرج منها منتصر إلا الأجنبي (وربما الإسرائيلي) الذي سيتمدَّد نفوذه إلى مناطق لم يصلها حتى السيف الطويل للسلطنة العثمانية.
اليمن لا تملك الكثير لتخسره، في حين أن السعودية لا تملك فرصة الربح مطلقù.
ولعل هذه هي القاعدة الأنسب لتحقيق مقولة »لا ضرر ولا ضرار«.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان