منذ ثلاثة عقود او أكثر قليلاً، تلاقت نخبة من المناضلين العرب، بينهم مجموعة من خريجي معتقلات القهر السياسي، مع بعض المشتعلين حماسة وايماناً بالعروبة، والذين يمضغون القهر ويرفضون مقولة العجز عن التغيير، وأقاموا ـ مجتمعين ـ “المؤتمر القومي العربي”.
كان تأسيس المؤتمر بمثابة بشرى سارة لجيل او جيلين من الكهول والشبان العرب المتشوقين لإثبات وجودهم عبر تأكيد انتمائهم القومي، وترسيخ الافكار التي نشأوا عليها مبشرة بالوحدة والحرية والاشتراكية..
انطلق المؤتمر بحماسة خريجي السجون والمعتقلات، والشباب الذين وجدوا الشوارع مقفلة، والسرايات معادية، والتنظيم رجس من عمل الشيطان، والشعار الثوري من المحرمات، والتفكير بالوحدة جائز في الاحلام فقط.
كانت السلطات العربية، في البداية، تتساهل مع هذه المجموعات التي تتنادى للتلاقي في مؤتمر سنوي، وتأتي وفودها من المغرب العربي الكبير (ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب الاقصى وصولاً إلى موريتانيا) كما في مختلف اقطار المشرق (مصر، سوريا، العراق، شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى اليمن، مع لبنان بطبيعة الحال)..
توالى انعقاد المؤتمر، دورياً، في العواصم العربية المختلفة.. ثم ضاقت السلطات في بعض هذه العواصم بهذا المؤتمر وضيوفه من “المعارضين” مع أن معظمهم من المناضلين المميزين في اقطارهم، ومن الفقراء اجمالاً، لانهم لم ينهبوا ولم يرتشوا حين كانوا في مواقع السلطة، ولان العديد منهم امضى في معتقلات الانظمة بعض عمره، ثم خرج منها فقيراً يعيش من انتاجه الثقافي، او من عمله في مجال خبرته، او يتحمل ابناؤه اكلاف حياته البسيطة، ومن ضمنها تذاكر سفره إلى حيث يعقد المؤتمر القومي..
ثم ضاقت صدور بعض الانظمة فحاولت التخفف من احتمال انعقاد المؤتمر فيها، ولو جاء اعضاؤه على نفقتهم الخاصة فنزلوا في الفنادق وتناولوا الطعام في المطاعم.. وغالباً على حسابهم… ونادراً على حساب مضيفيهم الفقراء مثلهم.
ثم ضاقت الصدور الرسمية أكثر فأكثر، فصارت المشاركة في المؤتمر اصعب وأشق، وتكفل الموت برحيل العديد من النخب المشاركة فيه..
كذلك فقد اختلفت الظروف في العديد من البلاد العربية.. وجاء إلى الحكم من لا يعترف بالعروبة ولا يتذكرها الا في خطب المناسبات، فاذا كان يحكم بلاداً فقيرة استذكر العروبة في مجال التسول وطلب القروض والشرهات، اما اذا كان من البلاد الغنية اكتفى بإسداء النصح والارشاد وأوصى بالصبر وترك الامور وللخالق والخلق لبارئهم، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
******
هي مجرد تحية للممسكين بجمر هذا المؤتمر، المصرين على متابعة جهودهم للجمع بين المناضلين (ولو متقاعدين) في مختلف انحاء الوطن العربي، ليؤكدوا وحدة الانتماء ووحدة المصير في ظل سيادة مناخ الهزيمة والاستسلام والردة.
والتاريخ ليس يوماً أو شهر او سنة..
وهذه عهد التميمي التي لم تعرف اياً من مؤسسي هذا المؤتمر او اعضائه تتبدى وكأنها ابنة شرعية لمسيرة النضال القومي نحو التحرر والتحرير.
وبمثل عهد التميمي سوف تكمل الأمة جهادها من اجل حقها في الحياة الحرة والكريمة في اوطانها، بعد تحريرها من حكام الظلم والظلام الذين يحاولون اخضاعها لهيمنة الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية المذهبة.
تحية للمؤتمر القومي شاهداً وشهيداً..