»ما يهمنا هو دعم الناس العاديين، رجالاً ونساءً..
»لقد اقتصر تهديد الإرهاب طويلاً على السياسيين، أما اليوم وفي عصر الاتصالات وأسلحة الدمار الشامل فقد أصبح »الإرهابيون« يشكلون خطراً جدياً ومرعباً..
»لقد أُزهقت آلاف الأرواح البريئة خلال دقائق معدودة، وإجلالاً لأولئك الضحايا ندعوكم للانضمام إلىنا، حتى لا يتكرر ما حدث في 11 أيلول 2001 لأي شعب، في أية مدينة وفي أية أمة..«.
مع قليل من التعديل كان يمكن أن يكون كاتب هذا الكلام »عربياً« و»مسلماً« ومن فلسطين على وجه التحديد، وليس السفير الأميركي في بيروت، فنسنت باتل، في المقال الذي نشره في »السفير« يوم السبت الماضي.
فالتوصيف ينطبق على ما أصاب العديد من الشعوب العربية، في ظروف مختلفة، بينها لبنان، وما يصيب حتى هذه اللحظة شعب العراق (مع ملاحظة الفارق في المسببات)، أما النموذج الأكمل فيتمثل في ما يصيب شعب فلسطين كله، برجاله والنساء والأطفال، بالعلمانيين والمتدينين وأساتذة الجامعة والقيادات الشعبية وشيوخ المساجد وتلامذة المدارس والبيوت والأشجار والطيور والفراشات.
ربما لهذا كان التعاطف العربي مع الضحايا في الولايات المتحدة شبه شامل، لم يتخلف عنه أحد من قياداتهم السياسية ومراجعهم الدينية (على اختلاف مدارسها الفقهية) ومع تجاوز أن واشنطن كانت تتهم بعضهم بقيادة »الإرهاب«، (ولعلها حاولت التخلص منه) فضلاً عن »الناس العاديين«.
لقد كان التعاطف موقفاً سياسياً ثابتاً ينطلق من التفريق القاطع الوضوح بين المقاومة، كحق مشروع ومطلق للشعوب في الدفاع عن حقها في الحياة وحقها في أوطانها وحقها في تقرير مصيرها، وبين »الإرهاب« بوصفه استخداماً للقوة لقهر هذه الشعوب، أو لتشويه نضالاتها والتشهير بجهدها من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
وقد يكون على العرب (والمسلمين) أن يشكروا المصادفة القدرية التي قدمت نموذجا للإرهاب تتقاطع عليه سيوفهم، (قبل سيوف عالم الكفر) ولأسباب مختلفة، اسمه: أسامة بن لادن (مجهول مقر الإقامة الآن!!)…
لقد قدم »النموذج الضد« للمقاومة، فسهل عليهم تبرئة أنفسهم منه، والأهم انه وفر الفرصة التي لا مجال فيها لأي التباس لتقديم قضاياهم بصورتها الأصلية، أي حق الشعوب في الحياة الكريمة، أي دون خوف على مستقبل أبنائهم من أن يذهب به رصاص الإرهاب أو حصار التجويع أو الاضطهاد المزدوج!
ومن المصادفات القدرية أن تتوفر هذه الفرصة مع إكمال الانتفاضة في فلسطين، كعمل من أعمال المقاومة الشعبية ضد قهر الاحتلال وإنكار الهوية والحق في وطن، عامها الأول وقد جللته دماء الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين فضلاً عن الخسائر الهائلة التي لحقت بما يمكن تسميته مجازاً »بالبنية التحتية« لهذا البلد الذي جربت فيه إسرائيل وما تزال تجرب كل وسائل »إرهاب الدولة« بغير حسيب أو رقيب.
والحمد لله ان الدم الذي تبرع به ياسر عرفات لضحايا التفجيرات في نيويورك وواشنطن لم يذهب هدراً، وقد وفر له بطاقة دخول إلى نادي »التحالف الدولي« ضد الإرهاب التي تطوف الآن حاملات الطائرات والمدمرات والبوارج وفرق النخبة والوحدات الخاصة في الجيوش الأميركية محيطات الأرض وبحارها وبطاحها لإرساء قواعده الثابتة والمتحركة، في سياق جهدها لإلقاء القبض على البطل الكوني للإرهاب أسامة بن لادن، حياً أو ميتاً..
لم تصدق واشنطن مقولة أرييل شارون »بأن عرفات هو بن لادن إسرائيل«، بل هي شددت ضغطها على رئيس الحكومة الإسرائيلية لكي يوفد وزير خارجيته المرتبك والذي لا يملك سلطة القرار للقاء رئيس السلطة الفلسطينية الذي استعاد بفضل بن لادن؟! شيئاً من الحظوة لدى الإدارة الأميركية بعد طول إهمال وصل إلى حافة الإذلال.
* * *
أما وقد حصل العرب، بمجموع دولهم و»شعوبهم« على صك البراءة الأميركية من تهمة الإرهاب، وتم قبول طلباتهم للانتساب طوعا وبالرغبة المعلنة الى التحالف الدولي الجديد، فلا أقل من أن يتوحدوا على قاعدة الحد الأدنى من مطالبهم، مستفيدين مرة أخرى من أن إسرائيل (الحليف الدائم والثابت والاستراتيجي للولايات المتحدة) مستبعدة، ولو في العلن، عن عضوية هذا التحالف حتى لا تحرج العرب والمسلمين فتخرجهم،
إنها فرصة جديدة لكي يتقارب العرب في ما بينهم عبر اقترابهم المشترك من التحالف مع الغير، خصوصاً وأنهم الآن ولمرة؟! ليسوا معسكرات محتربة، أو أنهم لا يملكون مثل هذا الترف.
ويمكن ان يكون قدوم ياسر عرفات إلى دمشق، غداً (؟) واتمام الزيارة المرجأة مراراً وتكراراً من قبل، نقطة بداية لمرحلة جديدة من العمل السياسي العربي، في مناخ توافقي، لحماية ما تبقى من فلسطين كقضية جامعة، ومن حقوق شعبها في بعض أرضه منها.
لقد تجاوز العرب مخاوفهم من ان يكونوا »مطلوبين« كما أسامة بن لادن، وطمأنهم امبراطور الكون الجريح إلى انه يصدق براءتهم من دم ضحاياه الذين ذهبت بهم التفجيرات الهائلة يوم الثلاثاء الأميركي الأسود.
كذلك فإن الضغوط الأميركية على إسرائيل لكي تبتعد عن الصورة الرسمية للتحالف الدولي الجديد تسمح للعرب بأن يتقدموا خطوة على طريق مطالبهم المزمنة والتي لا تلقى الاهتمام الأميركي المطلوب، ان لم يكن كشرط فعلى الأقل كمكافأة لدخولهم التحالف الجديد الذي لا يمكن ان يستقيم ولا يستطيع انجاز مهامه الخطيرة من دونهم،
هم خائفون، لكن أقوى قوة في العالم لا تستطيع ان تعمل بيد حرة من دون »فتاويهم« الفقهية والسياسية وتعاطف شعوبهم رجالاً ونساء.
لقد طالما كانوا ضحايا. وهم في هذه اللحظة أيضا ضحايا محتملون.
فليكن الأجر على قدر المشقة…،
فهم أكرم ان يكونوا »مرتزقة«، بل انهم سيتكفلون بقسم كبير، وربما بالعبء الأكبر من نفقات الحرب العالمية الجديدة ضد »الإرهاب«،
وهم أقوى من ان يكونوا مجرد اتباع في »حرب« طالما كانوا في السابق ضحايا قائدها الأميركي وحليفه الإسرائيلي الثابت والدائم والأبدي.
وطالما اثبت جورج بوش انه اقوى على أرييل شارون من بنيامين نتنياهو، فليثبت العرب انهم اقوياء بحيث يضطر إلى الاعتراف بقضيتهم التي تشكل العنوان الآخر لضحايا الإرهاب، وإرهاب الدول تحديداً.